منذ انطلاق فكرة برنامج حساب المواطن، والمجتمع الوطني ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بوسائله المختلفة يشهد حِراكا نشطا ومستمرا حول طبيعة البرنامج وآليته ومضمونه ومن يحتويهم من شرائح المجتمع، وما إن انطلق البرنامج في 1/2/2017، حتى تهافت المواطنون بمختلف شرائحهم على التسجيل فيه، بُغية الاستفادة من الدعم الحكومي، بما يعينهم على مواجهة ارتفاع تكاليف الحياة والخدمات العامة، حتى بلغ عدد من سجلوا في البرنامج بعد أسبوع من انطلاقته، وتحديدا في 7/2/2017 (8 ملايين مواطن) حتى كتابة هذه المقالة، والذين يكادون يشكلون نحو منتصف عدد سكان المملكة، وذلك بناء على تصريح مستشار وزير العمل والمسؤول عن البرنامج في لقاء مرئي معه، ومما لا شك فيه أن ذلك ينم عن ارتفاع حجم شرائح المجتمع التي تحتاج إلى الدعم، وإلى حجم الضغط الذي تشكله نفقات الحياة على المواطنين.

 وعلى الرغم من الجهود التي سبقت انطلاق البرنامج ما بين دراسة وإعداد وتجهيز لكافة الكوادر البشرية والتقنية المؤهلة لإدارة البرنامج ومتطلباته، والذي تضمن توظيف 635 سيدة في مراكز التواصل للتعاون والرد على استفسارات المواطنين، فإنه بعد تفعيل البرنامج للتطبيق والتنفيذ بشروع المواطن للتسجيل فيه، تكَشّفتْ بعض ثغرات البرنامج في آلية احتساب دخل الأسرة، والذي يُبنى عليه حجم الدعم، وفي ذلك خروج عن السياق العام لأعراف ومبادئ اجتماعية وأسس شرعية، يضاف إلى ذلك إغفاله لاحتمالية أن كثيرا من المستهدفين يتضمن دخلهم مستحقات لقروض شهرية تستقطع من رواتبهم ودخلهم، سواء كانت موثقة رسميا ويمكن الحصول على مستنداتها، أم أنها قروض تمت بالمفاهمة والتراضي بين الطرفين، كما أن احتساب مكافأة الطالب الجامعية ضمن مصادر دخل الأسرة يثير الدهشة، لكون تلك المكافأة لا تكفي في حد ذاتها الطالب لاستيفاء حاجاته ومتطلباته الدراسية والشخصية، فكيف أن تُحتسب من ضمن دخل الأسرة؟! بل إن تلك المكافأة تعتبر أحيانا مصدر رزق فِعلي يساهم في نفقات الكثير من الأسر المحدودة الدخل جدا، فهل يُقبل منطقيا وإنسانيا أن تُحتسب تلك "المكافأة" -كما تسمى- بأنها من ضمن محتويات الدخل؟!

ومن جهة أخرى، فإن البرنامج الذي فرض احتساب دخل الأسرة بناء على دخل الزوج والزوجة معا حتى ينخفض حجم الدعم الذي تستحقه الأسرة بناء على ما يتم تصنيفها فيه من الشرائح، فإن في ذلك إغفالا، بداية لعرف اجتماعي ومخالفة لأساس شرعي، كون الرجل رب الأسرة هو المسؤول الشرعي عن نفقاتها، ولذلك كان للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، كما جاء في قوله تعالى (وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء آية 34)، وأن ما تُساهم به المرأة من دخل إنما هو بالتفاهم ومن حسن العشرة، كما يؤكد جمهور العلماء؛ ومن جانب آخر فإن نظام الخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية الذي ينص على استقطاع 9% من راتب الموظف لحساب التقاعد طوال فترة عمله، سواء في القطاع الخاص أو العام، فإن نظام المؤسسة العامة للتقاعد يَحِرم الورثة من تحصيل كلا الراتبين من مستحقات التقاعد لوالديهم المتوفين، رغم إنه مُستقطع من رواتبهما ومن مُستحقاتهما المالية خلال فترة عملهما! يضاف إلى ذلك أن تلك المرأة التي اُعتبر دخلها من مضمون دخل الأسرة في برنامج حساب المواطن وتم تصنيفها كطرف مستقل آخر، فلماذا لا تُعامل بذات النسق في مستحقاتها المدنية الأخرى؟! ويشمل ذلك أحقيتها في استصدار جواز سفر، أو السفر دون تصريح وإذن من ولي أمرها، والذي قد يكون ابنها الذي تنفق عليه، أو في ولايتها على أبنائها وبناتها الذين تتكفل برعايتهم ونفقاتهم، سواء في حالة كونها مطلقة (وذلك أهم)، أو أنها تعيش في ظل بيت الزوجية، طالما أنها تشكل أحد أعمدة دخل الأسرة المحتسب في البرنامج، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وحيث إن السياسة العامة للبرنامج ما زالت تحت الدراسة، وذلك بناء على ما يقدمه التسجيل فيه من مؤشرات تبُنى عليها السياسة الخاصة به لاحقا، وفق ما أشار إليه مستشار وزير العمل والمسؤول عن البرنامج عبر الشاشة الصغيرة في لقاء معه يوم الثلاثاء 7/2/2017، وفي ظل التصريحات المنسوبة إلى وزارة المالية في 3/2/2017، بأن ذلك الدعم عُرضة للانخفاض والارتفاع بناء على أسعار الطاقة والنفط الدولية، فإن التساؤلات التي يملؤها القلق حول سياسة البرنامج المرتقبة وحول حجم الدعم المأمول، والتي تتمحور حول هل سيُنفَذ البرنامج وفق مضمونه الذي تم طرحه وتم التسجيل فيه؟ أم أن إطلاق البرنامج كان لتقصي واقع اجتماعي ومعيشي؟ وبناء عليه هل ستُوضع سياسات أخرى تستدرك ثغراته ليكون أكثر ملاءمة وأعمق رؤية، سواء في البرنامج، أو ما يتصل به، كالتأسيس لقوانين وتشريعات وحقوق مدنية مختلفة تستحقها المرأة السعودية اليوم؟ أو التحديث والتطوير لنظام التقاعد من حيث سن الموظف القانوني لنهاية خدمته، أو مستحقاته، أو النسبة المستقطعة من راتبه؟ ومن جهة أخرى هل سيحصل المواطن على مستوى أفضل من الخدمات العامة، التي كان رفع أسعارها سببا في ذلك البرنامج لدعم المواطن؟ وهل البرنامج هو الأفضل اقتصاديا وتنمويا للوطن والمواطنين؟ أم أن تطبيق نظم ضريبية وبرامج اجتماعية وتنموية معهودة قد تم تطبيقها وثَبُت نجاحها في دول متقدمة ونامية سبقتنا في ذلك المضمار كان أجدى وأكثر نفعا وأمنا؟