أكبر مهرجاناتنا السعودية والعربية كان يقدمنا لبعضنا ثم صار يقدمنا للعرب ثم صار نافذة بيننا وبين العالم.
حتى الآن هو الأكثر شمولية وإتقانا وأنشطة وتنوعا، نحن نترقبه من ثلاثة عقود حتى صرنا لا نتخيل حياتنا بدونه.
مهرجان الجنادرية ليس مفخرة وزارة الحرس الوطني وحدها، وإن كانت هي التي تتولاه، بل هو مفخرة السعوديين جميعا.
قبل عشر سنوات كانت زيارتي الأولى للجنادرية، وكنت أقول ماذا يمكن للموسم القادم أن يفعله ليحافظ على جماهيريته، وهذا العام ما زالت جماهيريته تتصاعد رغم البرد القارس. الجمهور يشعر أن المهرجان له، يستعرض ذاته وتراثه أمام نفسه والآخرين، وبالتأكيد فالمهرجان يبتكر سنويا إضافات جديدة لكن جوهره ما زال كما هو، وهذا سر رسوخه واستمراره وسر انتظارنا له.
أشياء كثيرة في منطقتي (جازان) يصعب عليّ الإحاطة بها، لكن في الجنادرية سأجد جازان كلها في زاوية من المهرجان، مؤسساتها وتراثها وجامعتها وإداراتها وأهلها. في قرية الجنادرية نجد المملكة مصغرة، بكل عناوينها وتنوعها، بحبها للحياة والفرح والبهجة. هذه الروح والتنوع هو ما يحفظ جمال البلاد وثراء وجدانها وإنسانها، وهو ما يهتم به مهرجان الجنادرية سنويا، في الوقت الذي نسمع الشكوى بوضوح من محاولات أولئك الذين يكرهون التنوع ويرونه ضررا على البلاد.
مهرجان الجنادرية هو الأكثر انفتاحا وحوارا على الآخر، المختلف قبل الموافق، ولا ريب أن الفضل في ذلك يعود لجهاز الحرس الوطني ورؤية قيادته منذ تأسيسه حتى اليوم.
حفل المهرجان بندوات فكرية ذات عناوين عميقة وملحة وبمتحدثين رسميين وغير رسميين من أعلى المستويات، التقنية، وسائل التواصل، 2030 اقتصاديا، فقه الواقع، العلاقات المصرية السعودية، وأقيمت المحاضرات في فندق الإنتركونتننتال وبعضها في جامعتي الإمام ونورة، كما أقيمت أمسيات أدبية في الرياض والشرقية وجدة.
وددت لو أن كل المحاضرات والندوات تقام داخل الجامعات بين الطلاب، لأن الرسالة إنما هي لهم ومن أجلهم، وهذا يتطلب اهتماما أكبر من إدارات الجامعات باغتنام الجنادرية كمناسبة للوعي لإشراك طلابها وتوعيتهم.
كل الندوات تقريبا كانت موفقة في موضوعها وتوقيتها، حتى محاضرة "عوامل القوة عند السنة والجماعة" التي قدمها وزير الشؤون الإسلامية كانت ستكون أفضل لو ألقاها متخصصون في مقارنة المذاهب تحت عنوان فقهي وليس تحت عنوان دعائي للمذهب بأفكار لا يمكن تحديدها ولا تعريفها.
على هامش الندوات كان يقام إيوان مسائي في نفس الفندق يلتقي فيه المختلفون في الرأي يتناقشون في أي موضوع يقترحه أحدهم، وهي نقاشات أقل رسمية وأكثر صراحة وحميمية رغم الاختلاف، مما طرح في الإيوان هو عدم اهتمام الشباب بحضور ندوات الجنادرية إما لعدم مناسبة المكان لهم أو لأن الندوات ليست من اهتمامهم، أو أن الجنادرية لم تهتم بهم، وكل سبب له نسبة وجاهة معقولة، عني شخصيا أظن إدارة المهرجان رغم جهودها الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة لكنها حتى الآن ليست على المستوى المأمول من الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي، وأعتقد أنها لو خصصت بعض ندواتها لشباب من نجوم السوشيال ميديا أو استعانت ببعضهم في إدارة إعلام المهرجان على هذا الصعيد لحققت فائدة كبيرة على صعيد اهتمام الشباب.
كنت على موعد في التلفزيون يتعارض مع رحلة سفري فاتصلت في ذات اليوم على لجنة الحجوزات في المهرجان وخلال أقل من ساعة أرسلوا لي الحجز الجديد لليوم التالي، حين دخلت التلفزيون استوقفني حاجز التفتيش الأخير داخل المبنى (يتبع الحرس الوطني)، ولاحظوا أن اسمي لديهم يختلف عن اسمي في البطاقة الوطنية، فاعتذروا بلطف لأنهم لا يستطيعون السماح لي بالدخول، واستضافوني وأكرموني بالقهوة والتمر حتى يتأكدوا من شخصيتي، ثم سمحوا لي.
سعدت كثيرا لحرصهم على واجبهم، ووجدت من واجبي أن أشكرهم في أول مداخلتي في البرنامج الذي استضافني.
شكرا لكل لجان المهرجان وإدارته ولوزارة الحرس الوطني وقيادتها. وكل عام ونحن في تنوع وثراء وبهجة.