والعنوان بعاليه، ربما كان مستفزاً ويدعو للريبة والشك من قبل أوساط كارتيل المهتمين بهذا الخطاب حتى إلى سنوات قليلة خلت، ثم دبت إليهم القناعة بأن تجديد الخطاب الديني بات مطلبا لا خيارا.
العنوان بعاليه، هو نفسه اقتباس حرفي لعنوان كتاب الأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار، وهو المثقف الإسلامي البارز الذي شكل في نواة فترة الصحوة السعودية آلة دفع جبارة، أزعم أنها لا تقل تأثيراً عن ما فعله ابن جلدته، محمد سرور زين العابدين، "رحمه الله"، قائد فيلق السرورية الشهير، عرفت الدكتور عبدالكريم بكار زميلاً جامعياً عندما كان أستاذا بقسم اللغة العربية بجامعتي، ويومها كانت له الجامعة مجرد تبرير إقامة نظامية، وإلا فهو قد كان جسدا حركيا هائلا واسع النفوذ والتأثير على المنابر الثقافية والمناشط الشبابية في المشهد المحلي وفي هذه المدينة بالتحديد، كان أصوليا ثابتا في المرجعية وبصلب أطروحة تحذر من الحداثة والعولمة بوصفهما مدخلي تغريب وتبعية.
وعلى عكس الخطاب الأصولي الذي يرى من مجرد قراءة كتب الآخر المختلف زلة وخطيئة وسلما إلى مرحلة غسيل الدماغ، كان عبدالكريم بكار واسع الأفق وقارئاً لمنتج كل الأطياف، ولا زلت أتذكر مداخلته الشهيرة ضدي أثناء محاضرة عامة بنادي أبها الأدبي حول بنية الخطاب، وكيف كان يجادلني كشارب لمدرسة جورج طرابيشي وهشام شرابي، حتى تكاد تظن أنه أول من راجع كتب هذين الأستاذين قبل الطباعة.
وعودة إلى العنوان من هو الذي كان يتنبأ ذات عقد مضى أن يدخل مكتبة سعودية ليجد العنوان نفسه كتاباً، ولمن ... لعبدالكريم بكار؟ والسبب هو المستجدات وقيمة التغيير. يجادل بكار في كتابه الأخاذ على أنه "لا يصح عقلاً أو شرعاً أن ترضى عن تجديد الخطاب الإسلامي لأن الأعداء يرغبون في ذلك". جملة من قلمه تذهب عكس مبدأ نشر الخوف والمؤامرة التي صبغت خطابه القديم يوم كان هنا زميلاً وأستاذ جامعة. يجادل أيضاً وبالحرف في ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي على أن "ثورة الاتصالات المتنامية اليوم قد وضعت العالم بكل أطيافه فيما يشبه الخلاطة الكبيرة، ولهذا نجد طيفاً لا يستهان به من أهل الغيرة على الدين ينادي بتجديد خطابه على نحو ينسجم مع المفاهيم والأوضاع الجديدة التي أوجدتها (العولمة) بما هي رمز للاستثمار المكثف في التقانة والاقتصاد ... إلخ". جمل متتالية ونظريات جديدة متراصة لا يمكن لي أبداً أن أتوقع نسبتها إلى هذا المثقف الضخم لو أن اسمه لم يكن على غلاف هذا الكتاب، كتاب لذيذ ومن المراس الصعب للترويض عند القراءة، وكله يدور حول صلب أطروحة جديدة وبالبراهين من أن الخطاب الإسلامي الدعوي والإصلاحي والوعظي يظل مفتقراً إلى القراءة النقدية المستمرة.