قبل عدة أيام في الأول من فبراير بدأ التسجيل الفعلي في نظام حساب المواطن الذي أعلن عنه بعد إطلاق الميزانية السعودية للعام الجاري، والذي يعدّ دعما حكوميا للمواطن السعودي ذي الدخل المنخفض والمتوسط، وله عدة أهداف معلنة وضحتها وزارة المالية، كالمساهمة في ترشيد الأسر السعودية لاستخدام مصادر الطاقة كالكهرباء والبنزين، خاصة بعد ارتفاع أسعارها أخيرا، والتقليل من آثار الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، خاصة على أصحاب الدخل المحدود والمنخفض.

أنشئ لحساب المواطن موقع إلكتروني خاص حثت فيه الوزارة المواطنين على تعبئة بياناتهم الشخصية ومصادر الدخل والعقارات التي يملكونها وغيرها من البيانات التفصيلية المطلوبة لرب الأسرة ومن يعول، وأي مصادر مالية يتحصلها أي منهم.

وأوضحت الوزارة أن المستحقين للبدل النقدي من حساب المواطن هو رب الأسرة الذي قد يكون امرأة أرملة أو مطلقة، فضلا عن كونه زوجا أو مستقلا أو مستفيدا من الضمان الاجتماعي.

يصنف "حساب المواطن" مستحقي الدعم إلى ثلاث فئات جميعهم من منخفضي أو متوسطي الدخل، هذه الفئات الثلاث كالآتي: الأولى أصحاب الدخل المنخفض وهم الذين يتراوح دخلهم بين (0 – 11999) ريالا شهريا ويستحقون تعويضا بنسبة 100%، وبمقدار 1200 ريال شهريا، والثانية أصحاب الدخل المتوسط وهم من يتراوح دخلهم الشهري بين (12000 – 15299) ريالا شهريا ويستحقون تعويضا بنسبة 75% وبمقدار 1000 ريال شهريا. الفئة الثالثة هي التي يتراوح مقدار دخلهم بين (15300 – 20159) ريالا شهريا من أصحاب الدخل فوق المتوسط ويستحقون تعويضا بمقدار 50% وبمقدار 600 ريال شهريا. أما الأسر التي يزيد دخلها الشهري عن 20160 ريالا شهريا فهم غير مستحقين على دعم المواطن.

سيتم احتساب المدخول الشهري للأسر السعودية في حساب المواطن بإضافة جميع مصادر المال التي يحصل عليها الأفراد المسجلون ومن يعولونهم (زوجة – أبناء – إخوة.. الخ)، كراتب الزوجة أو مكافأة دراسة الأبناء أو أي مصادر دخل من مصادر خاصة أو حكومية. وعليه سيتم تصنيف الأسرة حسب الفئات الثلاث السابقة المستحقة للدعم أو المستثناة منه.

المرأة المواطنة يتشابه وضعها في "حساب المواطن" مع وضعها في وزارة الإسكان مثلا؛ فلا تستطيع الحصول على سكن أو دعم مالي حكومي لشراء سكن أو قطعة أرض فضاء إلا إذا كانت أرملة أو مطلقة، بمعنى أن تكون معيلة لنفسها ولمن يتبعها من أبناء أو أفراد أسرة آخرين، وتكون بلا زوج يعد هو العائل لها حسب الشريعة الإسلامية. وينطلق حساب المواطن من ذات السياق الشرعي الذي يعتبر المرأة تابعة لزوجها في النفقة، وهو المسؤول عن إضافتها ضمن بيانات طلب الدعم في الموقع الخاص بحساب المواطن باعتباره المعيل لها ولبقية أفراد الأسرة. أما من تكون مطلقة أو أرملة وتكون عائلة لأسرة فستنطبق عليها الشروط السابقة المطبقة على تلك الفئات وطريقة احتساب البدل.

في الفقه الإسلامي تعد نفقة المرأة واجبا على الرجل، خاصة نفقة الزوجة، سواء كانت غنية أو فقيرة، موظفة أو غير موظفة. وهي حق من حقوقها التي أجمعت عليها المذاهب الفقهية التي لا تسقط عن الزوج إلا ببعض المقاييس الفقهية الدقيقة، والتي تجب عليه دون حاجة. وحتى في الفقه المعاصر لم يسقط الفقهاء وجوب النفقة على الزوجة العاملة ولا مطالبتها براتبها الذي تحصل عليه من عملها أو جزء منه. وما يحصل بين الزوجين من اتفاق في مشاركة الزوجة راتبها لزوجها أو للصرف على متطلبات الحياة فهو أمر لها فيه الخيار، ولهما فيه الاتفاق مع بقاء أحقيتها بمطالبة تعويضها عما صرفت على نفسها أو أبنائها.

تأتي آلية حساب المواطن في إضافة من يعول رب الأسرة وذكر مصادر دخلهم بشكل يتعارض مع هذه القاعدة الفقهية في وجوب النفقة على الزوجة بجميع أوجه النفقة التي تحتاجها الزوجة، فتضمين مقدار راتب الزوجة أو مصادر الدخل التي تحصل عليها ضمن خيارات دخل الأسرة يجعلها ركنا مساهما بشكل أساسي في إعالة هذه الأسرة واحتساب دخلها العام الذي يترتب عليه استحقاقه للدعم الحكومي أو عدم استحقاقه. فمثلا لو كان راتب الزوج 12 ألف ريال وأدخل بياناته فقط في حساب المواطن لاعتبر مستحقا للدعم ويصرف له ما يساعده على سداد فواتير خدمات الطاقة لمنزله ومن فيه، ولكن بإضافة راتب الزوجة الذي لو كان مثلا 8161 ريالا فإنه سيتجاوز المقدار الذي لا تستحق معه الأسرة الدعم. وتصبح المرأة عمليا معيلة للأسرة مع زوجها، فهل سينتفي عنها هنا حق النفقة؟ أو هل سيسقط هذا الاحتساب أحقيتها في أن يصرف عليها زوجها ما تحتاج ما دامت ضمن "بنود" من يعيل في "حساب المواطن".

ما زالت المرأة السعودية لا تعلم هل هي في حسابات الوطن مواطنة كاملة تستحق خانات خاصة بها في المواقع الحكومية الرسمية كأبشر ووزارة الإسكان والآن حساب المواطن مثل شريكها الرجل الذي تجد نفسها ضمن قائمته، ولكنها تسهم معه فيما يسهم من إعالة ومواطنة وبناء لهذا المجتمع، ربما أحيانا بمقدار يفوقه ويتجاوزه. في احتساب راتب الزوجة ضمن أحقية رب الأسرة للإعانة الحكومية اعتراف بأحقيتها بالاستقلال كفرد له واجباته وحقوقه في الحصول على الخدمات وتقديمها، وتناقض في نفس الوقت مع بعض القواعد الفقهية التي "تحبس" المرأة خلف تبعية الرجل في مواضع لا تستقل فيها إلا بكونها مطلقة أو أرملة بشروط مقيدة أيضا. هل سيتشكل فقه شرعي معاصر يتناسب مع وضع المرأة السعودية الحالي ومع الاحتياجات والأحوال الاقتصادية الراهنة التي تجعلها أساسا ثابتا و"مواطنا" مستقلا لا خانة ضمن بنود تتبع لمواطن آخر؟.. ربما.