أصبح معلوما أن داعش وأخواتها من جماعات التمرد الإرهابية في المنطقة العربية أصبحت تنحسر مساحات سيطرتها منذ أواخر العام الماضي، وذلك نتيجة للدعم الأميركي الذي أتى متأخرا من جهة، ولزيادة قناعة الدول المؤثرة في المنطقة بأهمية دعم المجهودات العسكرية والاستثمار فيها، من أجل محاربة هذا السرطان الذي نخر الشعوب العربية الإسلامية، والذي بفعل التجاهل والتغاضي تمدد بشكل مخيف قبل أن يبدأ بالانحسار من جهة أخرى.

أمام هذا التراجع الذي يصب في مصلحة إعادة التوازن والأمان لشعوب المنطقة، فإن هناك مجموعة عوامل يجب على دول المنطقة أن تنظر فيها، من أجل ضمان عدم عودة هذه الجماعات إلى سابق عهدها، وهو تماما ما تقوم به الآن بعض مراكز البحوث في الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة إلى تقديم حلول لإستراتيجيات قابلة للتطبيق، خصوصا في وقت يرى كثير منها أن الرئيس أوباما يعاب عليه أنه حارب هذه الجماعات، دون أن تكون له إستراتيجية من أساسه، وهو تماما ما قاله لي الكاتب "سيث جونز – Seth G. Jones" في لقاء جمعني به على هامش مناقشة كتابه الجديد Waging Insurgent Warfare في مركز Heritage  في العاصمة الأميركية قبل أيام.

جونز الذي سبق له أن قدم عددا من الكتب حول قضايا الشرق الأوسط والإرهاب، قدم في كتابه المذكور عددا من النصائح التي اعتبرها إستراتيجيات ناجعة في التعامل مع الوضع الحالي، وذلك من أجل ضمان عدم نهوض هذه الجماعة أو غيرها، خصوصا بعد أن فقدت سيطرتها الجغرافية على مساحات واسعة من العراق وسورية، وباقي الدول مثل نيجيريا والصومال.

يقول جونز إن التعامل مع السنة في العراق وسورية وإشعارهم بأنهم غير مستبعدين يعدان من أهم عناصر هذه الإستراتيجية التي على إدارة ترمب الالتفات لها في سعيها إلى فرض أمر واقع بلا داعش، إلى جانب العمل على التأكد من عدم تحول الجماعات الإرهابية المنكسرة إلى جماعات تمرد تحارب حروب شوارع، كما حدث في تجارب عدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

أما في الجانب العسكري فيرى أهمية محاربة البيروقراطية في سلم القرار العسكري الأميركي، ومنح القوات على الأرض مرونة أكبر في اتخاذ قرارها، إلى جانب تكثيف الجهد والعمل على محاربة نشاط الجماعات الإرهابية على الإنترنت، كما تفعل بريطانيا التي لديها كما يقول تنسيق مكثف مع أهم الشركات العاملة في هذا المجال.

السؤال المهم هنا هو: هل لدى دول المنطقة إستراتيجية مماثلة تمت صياغتها ووضعها في مسار تطبيقها، بالتوازن مع إستراتيجيتها في محاربة الإرهاب ذاته، لأن محاربة هذا الداء الفتاك لا يمكن لها أن تنجح بالشكل المأمول، ما لم تكن ضمن إستراتيجية طويلة الأمد تضع في عين الاعتبار التعامل مع ارتدادات وتبعات ولحظات الأنفاس الأخيرة لوحش فتاك لا يمكن أن يؤمن أبدا.