يثير تدفق مجموعات من الحجاج نحو مسجد يقع في كورنيش جدة، كان يحمل اسم فاطمة الزهراء قبل تغييره إلى مسجد الرحمة درءاً للفتنة، مجموعة من الأسئلة فيما يتعلق بالأسطورة ونشأتها وتشكلها حتى رسوخها مع تتالي الزمن، وارتباط كل ذلك بالديني وتخلقه في فضاءاته، ما يعزز رؤية أن الإنسان يبقى هو الإنسان منذ تداوله أسطورة الخلق وحفره الحكايات والأساطير في جدران الكهوف، ونحته صور الآلهة المزعومة في صدور وبطون الأودية والجبال، طبقا لما وصلنا عبر الحضارات القديمة منذ الطوطم الأول وعهود الكنعانيين والبابليين والآشوريين والإغريق والرومان.
تدفق الحجاج لم ينقطع رغم تغيير اسم المسجد، هذا الذي بات قصة صحفية ثابتة منذ أكثر من عقد تخميناً، ما يحيل إلى تساؤلات عن مدى إمكانية، أو لنكن واضحين ونتحدث عن غياب مقارباتنا الثقافية التي تتأمل في مثل هذه الظواهر ومحاولة وضع رؤية تفسيرية تحليلية لها تنهض إلى جانب الخطاب الوعظي المباشر الذي لم يؤد لنتيجة، توقف تنامي الظاهرة التي لا يستبعد أن تتحول أسطورة مسلم بها مستقبلا، على غرار أسطورة مقبرة "أمنا حوا" في جدة، طالما بقيت مقاربتنا لها لا تتجاوز قصة صحفية بائسة، تسرد وتصور المشهد ثم تدينه وتصدر فيه أحكاما لا تستند إلا للجاهز والمفصل وربما الأحادي الرؤية.
أتساءل هنا ونحن لدينا معهد الملك فهد لأبحاث الحج القائم منذ عام 1975: هل تقتصر أبحاثه ودراساته على المادي فقط، بما يجعل البعض من غير المطلعين لا يرون في المعهد سوى صورة مكتب هندسي صرف، بينما في الضفة الأخرى يتصور آخرون لمجرد سماعهم مفردة أبحاث، أن ثم دراسات وأبحاثا تتناول البعد السوسيولوجي والثقافي والإنثروبولوجي للحج؟
حقيقة لست أدري عن وجود أو عدم وجود دراسات من هذا النوع اشتغل عليها المعهد، أو أنه تعاطى مع علماء وأكاديميين متخصصين في العلوم الإنسانية بتياراتها واتجاهاتها كافة.
وفي تقديري أن مشاريع تنمية وتطوير الحج، بل أي مشروع، لابد أن يكون من ركائز انطلاقه الأساسية البعد الإنساني/ الفكري، وهذا يتضمن كل ما هو ثقافي وجمالي بالضرورة.
وهنا نرجع لمسجد فاطمة المشكلة لنتساءل عن مدى صحة افتراض أو اقتراح سبب جمالي كأحد دوافع التدفق السنوي على المسجد الذي يتميز بشيء من جماليات العمارة الإسلامية، ما يشكل موقعا لطيفا على الكورنيش يجمع ما بين الروحاني والجمالي بامتدادات البحر أمامه، وما يسربه من رذاذ أرواح تضفي قدرا من السكينة وتبثها في أرجاء المكان.
ثم ممارسات تبدو عابرة في مظهرها الأولي، لكن ببعض التأمل العميق فيها لابد من أن تحيلها إلى مادة قابلة للتحليل في محاولة لتفسيرها وفهمها. تفسير الأشياء - لا إدانتها - خطوة أولى لفهمها، وبالتالي القدرة على مقاربة حلها إن كانت تمثل مشكلة ما.
ألم يقل علم المنهج: إن تحديد المشكلة بداية حلها؟