إنه جون غريشام (Gohn Grisham) فقد بيعت من كتبه أكثر من ثلاثمائة مليون نسخة (300000000) من عشرات الروايات التي ينسجها خياله الخصب، بدءا من قصته الحقوقي (JURY) مرورا بقصته الثانية (الشركة ـ الملف FIRMA , AKTE) أو كتابه الذي يترجم حاليا في أوروبا بعنوان الاعترافات، أو كتاب القانون الذي كتب فيه سبع قصص قصيرة، وكل رواياته هي من النوع البوليسي (Thriller) وحين قرأت خبره قلت واحسرتاه على المؤلفين في الشرق المنكود المنكوب مقصوم الظهر شبه الأمي، وحين قرأت عن بيع كتب العنصري البغيض سارازين الألماني بـ709000 نسخة (الطلب كان 1.1 مليون ولم تنجز المطابع سوى سبعمئة ألف؟) أحسست بهبوط في قليبي.
إن أكبر رقم ضرب عندنا هو للشيخ القرني وفي كتابه الحزين لا تحزن، عنوانا فاقعا للحزن الضارب بكلكله في الشرق العاجز؟
أما نحن من يكتب من الكتاب الفقراء المفلسين المنسيين فعدد النسخ في حدود 1500 نسخة، والتعويض بعد قرن، أو أن يضيع حقه كما حدث معي كثيرا؟ وهو ما يذكرني بالنيهوم حين تحدث عن 24 بوابة مراقبة في وجه الكتاب العربي.
جون غريشام من الجنوب الأميركي اشتغل بالمحاماة فترة ثم السياسة حيث انتخب عن منطقته جنوب هافن، ثم جاءه هاجس الكتابة فكان يذهب لمكتب عمله ويبدأ في كتابة القصة منذ الصباح الباكر عند الساعة الخامسة مبكرا، وعكف على روايته الأولى خمس سنين، ثم حاول نشرها فتبرأت منه دور النشر كما حدث معي أنا في كتابي الأول الطب محراب للإيمان، ويروي عن نفسه أن دار النشر الصغيرة التي تبنت كتابه الأول لم يكن عندها من قدرة الدعاية والتسويق، ما جعله يشتري منهم بماله الخاص ألف نسخة ويدور على أكثر من 35 مكتبة في المدن الصغيرة وهو يحاول بيع كتبه مباشرة، ولأنه المؤلف فقد اهتمت به النساء اللواتي لم يجتمعن من قبل مع مؤلف فاستطاع بيع 900 نسخة من كتابه الأول، وأما الضربة التي ضربها فهي روايته الشركة التي اشترت هوليوود حقوق تأليفها، ثم فرقع السوق باسم الرجل وبدأت عشرات دور النشر تركض خلفه لهاثا ضباحا لتسويق نتاجه الروائي؟ كما هو مع كتاب ألمانيا تلغي نفسها للعنصري الكريه سارازين بعد أن أصبح مليونيرا؟ يقول جون غريشام لقد حصل ما يشبه الجنون بعد ذلك فتتابعت الانتصارات، وفي المقابلة التي تمت معه يبوح بقصته مع السياسيين وقدر أميركا وأن الحرب قائمة بين الأحزاب ومنها حزب الشاي الجديد، وليس في الأفق ما يبشر بوقف هذه الحرب، وتمنيت أن أعرف عن هذا التوجه أكثر، ويقول إن السياسة الأميركية حاليا عاجزة عن الخروج من المأزق الاقتصادي، وإن نظام الضرائب الحالي سوف يضع أميركا أمام مشكلة غير قابلة للحل ما لم يغير النظام الضريبي، والمعلومات التي تسربت عن مدى العجز الأميركي هائلة، فالديون تزداد مع كل شروق شمس 3.2 مليارات دولار، ومع كل يوم يزداد عدد البطالة 7300 شخصا، وفي كل يوم تخسر المصانع 1400 وظيفة جديدة، أما جبل الديون فقد حلق فوق الغمام فبلغ 15 بليون دولار ( 15 ألف مليون دولار) وهو مبلغ سوف يؤدي لانهيار أميركا بدون ريب، فتخر أكبر قوة عسكريا ومعها كل السلاح بالفقر لأن السلاح يحتاج لمال ولا مال، وهذا الرقم حين وقعت تحت وطأته نمور آسيا انكسر ظهرها وفل حدها، وأميركا تلعب مثل السحرة في زيادة طبع الأوراق النقدية، ولذا ركز الروائي غريشام أن أوباما كان مخطئا حين بدأ في إصلاح النظام الصحي الذي قفز أيضا إلى رقم فلكي فزاد الطين بلة، وكان يجب عليه أن يبدأ في النظام الاقتصادي؟ تراوحت قصص هذا الكاتب بين عقوبة الإعدام والفساد وحيل شركات التأمين ومن لاسقف فوقهم؟ وشركات التبغ؟ وقفت كثيرا أمام رقم كتب الرجل التي بيعت بـ 300 مليون نسخة وبثلاثين لغة، وقلت في نفسي لو جمعنا كل كتَّاب العالم العربي وكتبهم وعدد النسخ التي طبعت لهم من يوم حمورابي حتى القرن الواحد والعشرين ما وزنت عشر معشار إنتاج هذا الرجل؟ فهل أدركنا معنى ارتباط الكرامة بالقراءة في قوله تعالى ..اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم؟ كلا إن الإنسان ليطغى.. وقد طغينا وبغينا على أنفسنا وأنتجنا جيلا نصف أمي لايعرف ما يدور حوله؟ ولا ما يخطط له؟ ولا ما ينفذ من مخططات على دماغه مثل فيران التجارب.. كله بسبب الجهل وعدم القراءة والاطلاع؟
"والطور، وكتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع".