حتى تفهم وضعك الحالي كموظف يعمل في القطاع الخاص، عليك أن تتخيل الحياة بدون "سيستم"، بدون نظام أو قانون واضح وصريح يرتب حياتك الوظيفية، وينتفض لحقوقك.

ولأن ذاكرتي ليست مثقوبة، أذكر هنا تصريح وزير العمل السابق قبل 12 شهرا، عندما أعلن أن الوزارة لن تسمح للشركات باستغلال المادة الـ77 من نظام العمل أو غيرها لممارسة فصل السعوديين دون وجه حق، وأنه لم يتضح أي تأثير لهذه المادة على العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والعامل.

وبعد عام كامل من تصريح معاليه، وبعد حملات التسريح والفصل الجماعية التي شهدتها منشآت سعودية كبرى طالت مئات السعوديين، أصدر وزير العمل الجديد الإثنين الماضي  قرارا يحظر على المنشآت فصل العاملين السعوديين جماعيا، لأي سبب كان وإيقاف خدمات الوزارة عن المنشآت المخالفة مددا متباينة، تصل في أعلاها إلى 720 يوما أي عامان.

السؤال المطروح: هل مثل هذه التصريحات أو القرارات تأتي في إطار القانون أم خارجه؟  التصريح الأول للوزير السابق جاء بعد الجدل حول المادة الـ77، وما قد يترتب على تطبيقها من تهديد الأمان الوظيفي للسعوديين العاملين في القطاع الخاص، والناس حينها كانوا ينتظرون طويلا الموقف القانوني للوزارة من هذه المسألة الحيوية التي تهم قطاعا كبيرا من المواطنين السعوديين، لكنهم لم يسمعوا أي جواب سوى تصريح عائم بعدم السماح في استغلال المادة الـ77 من الشركات وهو تصريح لا يحمل أي طابع قانوني، بمعنى لم يكن هناك منع قانوني وعندما تتخذ الوزارة هذا الموقف الضبابي حيال هذه المسألة المهمة، وحين تبرز الحاجة إلى تأطير قانوني لما يعدّه الناس ضرورة لحياتهم، ثم يرون وزارتهم متراخية في الاستجابة، دون تبرير مقنع، ساعتها سيفكر بعض أصحاب العمل أن التسريح أمر مقبول وطبيعي، وهو ما حصل بالفعل، فحملات التسريح والفصل لم تقتصر على العاملين فقط في منشآت صغيرة ومتوسطة، بل طال بعض العاملين في مؤسسات كبرى تجني عوائد طائلة.

أما القرارات الأخيرة التي أصدرتها وزارة العمل، فهي تتعلق فقط باتخاذ تدابير إدارية في مسألة جزئية، وهي الفصل الجماعي للعاملين، أما فصل الأفراد فلم تتحدث عنه، وهو ما يتضح في الفقرة الثانية من القرار "أنه يقصد بالفصل الجماعي، إنهاء خدمات مجموعة من العاملين السعوديين ــ دون خطأ منهم ولأسباب تعود لصاحب العمل- بنسبة تزيد في مجموعها عن 1% من العاملين لدى المنشأة، أو ما مجموعه عشرة عاملين -أيهما أكثر- خلال سنة من تاريخ آخر عملية فصل".

وهنا أقولها بكل وضوح، بعد هذه القرارات الأخيرة والخاصة بمسألة جزئية وهي حظر الفصل الجماعي، ستتيح لكل أصحاب الشركات والمؤسسات الاستمرار في الفصل بشكل تدريجي على الأفراد "حبة حبة"، بل وسيرونه أمرا طبيعيا واعتياديا، لطالما أن الوزارة لم تحرك ساكنا.

أخشى ما أخشاه هو التأخر في تقنين عملية الاستغناء عن الموظف خلال المواد "74، 77، 78" لأنها يومئذ ستكون كمن يدفع الناس دفعا إلى البطالة، وهنا أدعو المسؤولين إلى التعجيل بالتعديل القانوني، كي يشعر الناس جميعا بأن نظامنا القانوني ليس متكلسا ولا جامدا، وأنه قابل لاستيعاب الحاجات والتحديات.