"قرأت اسمي على صخره. هنا، في وحشة الصحراء، على آجرة حمراء، على قبر. فكيف يحس إنسان يرى قبره؟ هذا مطلع قصيدة "في المغرب العربي" للشاعر "بدر شاكر السياب"، القارئ للقصيدة تغمره الحيرة والارتباك، بين محاولة فهم القول الشعري المضبب، وبين الدلالة المرئية، والمنطويات المضمرة والمتصادمة مع المشترك الروحي والأخلاقي، وما تبعثه في النفس من تصدع وجموح متمرد "ظاهريا"، وما تمثله من انفلات خارج لغة "المجاز"، وقد حاول الشاعر "صلاح  عبدالصبور" رغم العلاقة المتوترة والود المفقود مع السياب، أن يقرأ القصيدة ويفسر شحناتها الدلالية والمضطرمة، باعتبارها كما يقول "ذات نغم يحكي عن الحاضر، وصوت ذو نغم آخر يحكي التداعيات. وقد نتج عن التداخل بين الذكريات السالفة والكفاح المعاصر للمغرب العربي، أن ظن بعض من أعرفهم، أن السياب يهاجم "الدين" لبعض التعبيرات، ومبلغ فهمي للقصيدة أنها إسلامية الاتجاه "وردت هذه الرؤية ضمن دراسة نقدية في مجلة "الآداب"عام 1956، وكان الدكتور "سهيل إدريس" رئيس تحرير المجلة، قد كلف صلاح عبدالصبور بنقد قصائد هذا العدد، رغم معرفته بالمساجلات الساخنة والعداء المستحكم بين "السياب وعبدالصبور" حول الأسبقية في استخدام بحر "الرجز" في كتابة الشعر الحر. مما أجج صراعا حادا بين أدباء "العراق ومصر" لم يخل من تعصب "قطري" كما يقول "سامي مهدي" في كتابه "ذاكرة الشعر" لم يتعجل السياب الرد على عبدالصبور، حين نعت القصيدة ووصفها بـ"المحاولة الشكلية الطيبة، ولمراوحتها بين وزنين، ولكن ما يعيب هذه المحاولة أنها بلا منهج ملتزم، بل جاء في ختامها بضعة أبيات من القصيدة لم أستطع معرفة أوزانها"، ولكن الرد جاء من الشاعر والكاتب الفلسطيني "ناجي علوش" يقول: "قرأت تعليق الأستاذ عبدالصبور على قصيدة الشاعر السياب، فلم أر فيه إلا حكما فجا مبتسرا، لا يستجلي آفاق القصيدة الواسعة ولا يلمح منها إلا صورا غامضة، إنه كالمكب في الصحراء، الذي يحسب السراب ماء، إن بحثه نظرات خاسرة حائرة تحتاج إلى العمق والتدليل"، وأرجع علوش نقد عبدالصبور للقصيدة إلى عدم إيمانه بالعروبة"، كما نقد الشاعر العراقي "كاظم جواد" قصيدة عبدالصبور "يا نجمي الأوحد" المنشورة في عدد حزيران من المجلة "ضمن الحرب الباردة" بقوله "بحر المتدارك" الذي كتبت عليه القصيدة بحر ساذج، لأنه أبسط البحور وأحفل الأوزان الشعرية بالنغم السهل الراقص، ومع هذا لم تسلم قصيدة عبدالصبور من الأخطاء العروضية إلا في خمسة من أبياتها، برغم أن الأخ بدر السياب، كان قد نبه عبدالصبور من قبل إلى هذا النقص الخطير في ثقافته الشعرية، ولكن ما من مرة حاول ونجح، وأخيرا يؤكد "سامي مهدي"، "أن قصيدة السياب ليست إسلامية الاتجاه كما توهم عبدالصبور ولكنها عروبية إذا فهمنا العلاقة الحية بين العروبة والإسلام".