أبدى مثقفون وقادة اجتماعيون أسفهم على إلغاء النشاط الاجتماعي والثقافي في المؤسسات الشبابية كبيوت الشباب، والأندية الرياضية، وتقليص حجمه منذ عام 2004، وذلك بعد أن انتقل النشاط الثقافي الذي كانت تشرف عليه وكالة الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب (سابقا) وحينها لوزارة الثقافة والإعلام. ورأى هؤلاء المثقفون أن الشؤون الثقافية في رعاية الشباب كانت تحيي نشاطا ثقافيا أسهم في اكتشاف وتقديم العشرات في المواهب في مجالات الكتابة والمسرح والموسيقى وكل الفنون الأدائية والإعلام، على حد أقوالهم، التي ذهبت إلى إعلان القلق على حيرة المواهب الواعدة، وعدم وجود مساحة لاكتشافها وتقديمها، وهو الدور الذي كانت تؤديه النشاطات الثقافية والاجتماعية برعاية الشباب وقتذاك.


الحماية من أفكار التطرف

استعاد القائد الاجتماعي مدير مكتب رعاية الشباب بالأحساء سابقا يوسف الخميس، كيف كانت الأندية الرياضية تضج بالنشاط الثقافي والفني منذ أواخر الخمسينات الميلادية حتى نهايات السبعينات تقريبا، على نحو ما كان يحدث في نادي الوحدة مثلا بدعم رئيسيه عبدالله عريف والمهندس عبدالقادر كوشك، وأندية المنطقة الشرقية والأحساء، واستمرت بوتيرة أقل حتى منتصف الثمانينات، مشيرا إلى المسابقات الثقافية التي كانت تنظمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب بمسماها القديم في الأندية الرياضية على مستوى المملكة، وعروض السينما، والمهرجانات المسرحية والفنية، كانت مهمة جدا في اكتشاف الكثير من المواهب، مبديا تطلعه إلى أن تستعيد وزارة الثقافة والإعلام وكل المؤسسات الثقافية في المملكة هذا الدور، لافتا إلى أن الثقافة والفنون بحاجة ملحة وأساسية في تكوين الشباب، وصقل مواهبهم، وحمايتهم من كل أفكار التطرف، وأحادية الرأي، وهذه مسألة لا بد أن تدركها مؤسساتنا لتصوغ وتتبنى إستراتيجية عميقة وقوية تتمكن من خلالها من تقديم شيء للشباب في هذا الإطار، لتأخذ بأيديهم بعيدا نحو كل ما هو جيد وخلاق على مستوى النشاطات والبرامج غير الرياضية.


مطلب وطني

يلفت الكاتب والمسرحي علي السعيد إلى أنه في السبعينات الميلادية حتى منتصف الثمانينات كانت رعاية الشباب تقيم مسابقات ثقافية وفنية بين الأندية الرياضية في المسرح والموسيقى والتشكيل والقصة والشعر ومسرح الطفل، وكانت آلية تنفيذ هذه المسابقة نموذجية بحيث تتاح الفرصة لكل شباب المملكة الراغبين في المشاركة، حيث تقام المسابقة على مستوى مكاتب رعاية الشباب بالمناطق، إذ يقيم كل مكتب المسابقات بين الأندية التابعة له ومن ثم يتأهل الفائزون للتصفيات النهائية على مستوى المملكة. من خلال هذا الأسلوب كانت الأندية في كل المدن شعلة من النشاط والحركة الدائمة معارض فنية وأمسيات شعرية وقصصية وعروض مسرحية.

يتابع السعيد "كان المثقفون يقفون مع هذه الأنشطة لأن أغلبهم معلمون ويقفون مع أبنائهم وتلاميذهم. لصقل مواهبهم وتنميتها، للأسف هذا الدور تقلص بل يكاد يكون معدوما". وأكد أن عودة مثل هذه الأنشطة بهذا الأسلوب مطلب وطني، وتحدٍّ أمام وكالة الشباب في هيئة الرياضة. أما وزارة الثقافة والإعلام فليس لديها حلول سريعة إلا أن تحول المكتبات العامة التي ورثتها من وزارة التعليم إلى مراكز ثقافية بشرط أن تدار من قبل أناس لهم علاقة بالفنون والآداب، أما بالنسبة للمدن الصغيرة التي ليست بها تلك المباني يمكن الاستفادة من التجربة المصرية في تأسيس بيوت الثقافة.





المشكلة في الموظفين

قال يوسف الخميس الذي يعمل حاليا مستشارا ثقافيا وفنيا بقسم الأنشطة الشبابية بالهيئة العامة للرياضة: لا بد من إعادة تفعيل هذا النشاط، وتبدو المشكلة في كون أن غالبية العاملين في النشاط الثقافي حاليا موظفون، ليست لهم إمدادات في النشاطات على نحو ما كان سائدا أيام رعاية الشباب، فبعد أن ألغيت الإدارة العامة للنشاطات الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت تشرف على النشاطات والبرامج الثقافية بالأندية الرياضية وبيوت الشباب بشكل مباشر، تاهت بوصلة النشاطات الثقافية للنشء والشبان، وأصبحت في مهب الريح، رغم صدور قرار من وزارة الثقافة والإعلام عام 2005، جرى تعميمه على كل الأندية الأدبية والرياضية يخول الأندية الأدبية بالإشراف على النشاطات الثقافية في الأندية الرياضية، لكنه ظل قرارا مع وقف التنفيذ، ولم تكترث الأندية الرياضية به، من يومها بدا واضحا أن النشاطات الثقافية للنشء تواجه الترنح تحت وطأة انصراف الجهتين المسؤولتين عنه وهما (وزارة الثقافة والإعلام، والهيئة العامة للرياضة). وتساءل الخميس عادا مجموعة كبيرة من المبدعين والفنانين الذين قدمتهم تلك النشاطات: كيف يمكن لنا السير نحو رؤية 2030 دون الالتفات لهذا الجانب المهم والمصيري في تأهيل الشباب لغد أفضل واعتناء أكثر بمواهبهم وتطلعاتهم الابداعية؟