حين بدأ الغربيون في الستينات الميلادية، بتحليل المسلسلات والأفلام والمقاطع الغنائية والقصائد والروايات، وغيرها من المنتجات الثقافية، لم يكونوا يتوقعون أن ذلك سيأخذهم إلى محطات أبعد، وسيمنحهم آفاقا أوسع للنظر لذواتهم والآخرين. لقد تخلّص كبار الباحثين من عقدة "ماذا سيقولون عني"، حين قاموا بتحليل كلمات أغنية وما يمكن أن تتحول إليه وأي تأثير يمكن تتسبب به في أدمغة السامعين. أو حين كرّسوا كل جهودهم لأسابيع وربما أشهر، في مراقبة مدمني المخدرات، ثم تدوين كل الظروف والدلائل التي تشاركوا بها. أو حين أحصوا عدد النساء اللواتي لا يشعرن بالرضا حيال أنفسهن، وقاموا بمحاولات حثيثة لمعرفة سبب ذلك.

يقول "ستيوارت هل" -وهو ممن عرفوا في هذا المجال- إن ثقافة الجماعة هي مجرّد طريقة مميزة وغريبة في الحياة يتشارك أفرادها القيم والظروف وربما الماديات.

وفي عالمنا العربي، أو الخليجي، أو حتى السعودي، لو قررنا بأن نأخذ مسلك الغرب في الدراسات الثقافية -مع اعتبارها منقذا من ناحية التنبؤ بأحداث مستقبلية ومنظرا للماضي والحاضر وُمعينا لحل مشكلات اجتماعية- يمكننا تقسيم الناس لمجموعات. ولنأخذ مثلا، مجموعة محبي المسلسلات التركية، ومجموعة محبي الرياضة، ومجموعة محبي الأفلام الغربية، ومجموعة محبي الفن الخليجي وهكذا، وعلى خلفية ذلك نقوم بتقييم كل جمهور من ناحية تكوينه وكيفية تعاطيه مع الإعلام.

لكنني أظن أن هذه الطريقة تعاكس واقعنا النقدي الإعلامي، الذي يرى المحتوى وصانع المحتوى، بغض النظر كليا عن المتابعين وتقسيماتهم الديموجرافية والجنسية والاجتماعية وغيرها.

إننا كعرب متأخرون عن كثير من الأمم من النواحي الثقافية والاجتماعية، خاصة في نظرتنا للمرأة وللأجنبي ولأي شخص يختلف عنا في الأصل أو العرق أو الدين أو حتى المذهب. ويصرّ بعض الناس على أن سبب كل ذلك هو مشكلات مادية، فيما يعزو آخرون السبب للتطرف الديني والمناهج الدراسية، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك باتهامات أكثر تطرفا... فما الذي يمكن أن يحدد فعلا سبب هذا التأخر الثقافي الذي نصارعه؟ تحليلات جماهيرية وإعلامية هي الأقدر على إنقاذنا، وهي الخيار الوحيد الذي اتجه إليه الغرب، في الوقت الذي كان يجب فيه أن يختاروا.