عندما استعادت قوات الأمن العراقية شرق الموصل من "تنظيم داعش" في أوائل يناير الجاري، حرصت على رفع العلم الوطني في نقطة إستراتيجية لم تكن موقعا عسكريا، بل إنها جامعة الموصل منارة العلم، التي كانت ذات مرة من المؤسسات التعليمية الرائدة في منطقة الشرق الأوسط.

ويُعد تحرير الجامعة بمثابة إعادة نور التعليم ضد الظلام المفروض على الحرم الجامعي من قِبل مجموعة مُسلحة. وبسرعة فائقة أعد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس خططا لاستعادة إرث الجامعة كقوة حيوية في تحديث العراق بالمعرفة المتقدمة والمُثل الأخلاقية العليا للإنسانية.

بعد استيلائه على الموصل عام 2014، استخدم "داعش" الجامعة المترامية الأطراف مقرا له في العراق، وحوّل مختبرات الهندسة إلى مصانع للأسلحة الكيميائية، واستخدم المباني الأخرى لتجهيز السيارات المفخخة، وقام بحرق الكثير من مواد المكتبة، واضطر الكثير من أعضاء هيئة التدريس إلى الفرار في حين قُتل عدد منهم.

وبمساعدات دولية، التحق العديد من أساتذة جامعة الموصل بوظائف مؤقتة في جامعات أجنبية، حيث قاموا، عبر الإنترنت، بتدريس آلاف الطلاب الذين فروا أيضا إلى مدن أخرى مثل كركوك. وهذا يدل على أن الرغبة في التعليم العالي بين العراقيين لا يمكن أن تنطفئ باستيلاء "داعش" على مؤسسات التعليم.

لقد كانت جامعة الموصل بمثابة بوتقة للعراقيين، حيث إنها ترحب بالطلاب من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، مما يساعد في تعزيز دراسة مفاهيم الحقوق الفردية والحرية الشاملة والمساواة. وبالطبع فإن هذه الفضائل يمكنها أن تربط دولا تعيش في ظل حكومات علمانية تحترم حرية الدين. وبالإضافة إلى ذلك، المجتمعات التي تقدِّر التعليم العالي للفتيات، لأنه يجعلهن أقل عرضة للانتماء إلى المنظمات المتطرفة التي تعزلهن عن الحياة العامة.

أصبح التعليم دافعا هاما للتقدم في جميع أنحاء العالم العربي، فبين عامي 1990 و2010، ارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة الإجمالي في المنطقة من 58% إلى 80%، في حين ارتفعت نسبة التعليم الجامعي إلى ما يقارب 25%.

في تقرير للأمم المتحدة العام الماضي، لاحظت مجموعة من العلماء العرب تحولا بين الشباب الذي بدأ حقبة ثقافية جديدة. ويقول التقرير"إن هذا الجيل من الشباب هم الآن أكثر تعليما من آبائهم ومتمكنون للغاية، وبالتالي يمثلون جزءا من "ثورة المشاركة" التي تحدث في جميع أنحاء المنطقة، حيث تتم مطالبة المواطنين بالقيام بأدوار في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادهم".

وأحدث دليل على هذا الاتجاه يمكن العثور عليه في جامعة الموصل، التي تُعد مركزا ديناميكيا لنمو الأفكار على نحو حديث ومتحرر.