قد يأخذ موظفٌ من مكتبه قلماً أو دباسة أو (بوكاً) من الأوراق الخاصة بالاستعمال الرسمي، ثم يذهب بها إلى بيته لاستعمالاته الشخصية، وقد يعطي أطفاله بعض الأدوات بدلاً من شرائها من المكتبة- موحياً إليهم أنّ من حقهم امتلاك أي شيء يحتاجون إليه من مكتبه الحكومي، كمدخل لهم لتعلم الفساد فيما لو أصبحوا موظفين في الغد.
هذا الرجل إنْ لم يجد من يحاسبه فقد يعتاد هذا الفعل؛ ولذلك تجده في المرات القادمة يأخذ أشياء أخرى لا يحتاج إليها، إنما فقط لإشباع عادته النفسية.. وربما تتطور لديه هذه العادة السيئة حتى تصبح جزءاً من سلوكه الوظيفي- مستخدماً طرق التحايل على الأنظمة الرسمية- فيبدأ يفكر في أخذ أشياء أكبر قيمة (قلت: يفكر في "أخذ" ولم أقل: يفكر في "سرقة")، لأن عدم محاسبته على ما أخذه جعله يطمئن إلى أن ما قام به لا يسميه النظام سرقة طالما أن المسؤولين أشعروه بأن المسألة لا تتعدى فقدان مستلزمات لا يسأل عنها أحد، وأن الدولة غنية لا تلتفت إلى مثل هذه الأشياء البسيطة، ولا يوجد قانونٌ يحاسب أحداً عليها؛ الأمر الذي سيشجعه مستقبلا على ممارسة سرقات أكبر.
هكذا نكون علمناه مبادئ علم الفساد من داخل إدارته الحكومية، حتى تأصلت السرقة في دمه، وجرت في سائر جسده.. فلو أصبح- يوماً- مسؤولاً مؤتمناً على مشاريع حكومية بمليارات الريالات، فإنه- مع ضعف إيمانه وفقدان ضميره- لن يفرق بين (أخذ) قلم يضعه في جيبه وبين (سرقة) ملايين الريالات يضعها في حسابه؛ وقد ينشىء لنفسه المزارع والاستراحات، ويُشيّد المباني بدلاً عن مشاريع البلاد التنموية.
ما الحل لإيقاف هذا السيل الجارف من الفساد؟.