الحراك الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية في الأيام الماضية والتي سبقت وتلت تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنبئ بحالة من الغليان الفكري والسياسي المثير للترقب، فمن جانب كانت شوارع واشنطن في يوم التنصيب ورغم السيطرة الأمنية عليها قد شهدت مظاهرات وشغبا اعتراضا على هذا الرئيس الذي يرى الكثير من الأميركيين أنه لا يمثلهم، ولا يمثل المبادئ التي نهضت بلادهم عليها من حريات ومساواة بين طبقات مجتمع تكون عبر قرون من أعراق وطوائف من شرق الأرض وغربها، في حين كان المؤيدون الذين خرجوا في يوم التنصيب ليحتفلوا برئيسهم الجديد يكسوهم شيء من الخجل لضعف أعدادهم وفقر تنوعهم العرقي والثقافي.
بين تلك الجموع البشرية التي كست مسطحات العاصمة الأميركية وجدت نفسي أمضي بينهم أشاهد بعيني كيف تتكون وتعبر عنها نفسها تلك الديمقراطية التي تدعى الأعظم، بشر في كل مكان وعربات الجيش وجنوده يتوزعون في كل زاوية، ومرشدون سياحيون يخبرون الزوار كيف وأين يتجهون، ومعارضون حملوا لوحات تعبر عن اعتراضاتهم ودعواتهم للتمرد على ما سيكون عليه حال مستقبلهم، ودعاة للسلام رفعوا أصواتهم بمكبرات الصوت، يغرد كل واحد منهم بقناعاته واستهجانه، ورجال ونساء لفوا كل ما يحيطهم بشعارات دينية تخبر الجميع بأن مساندة الرئيس واجب ديني وحق له عليهم باسم كل ما هو مقدس.
احتفالية تنصيب ترمب يوم الجمعة قبل الماضي والتي استمرت لوقت متأخر من تلك الليلة كشفت أن هذه الولايات المتحدة الأميركية لم تكن في يوم متحدة كما كنا نتصور، فرغم اتحادها ككيان سياسي واحد إلا أن المكونات التي تشملها هذه الولايات بشريا وفكريا أبعد ما تكون اليوم عن توحدها، فحالة الانقسام حقيقية وحركية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي اليوم الذي تلا التنصيب خرجت مئات الآلاف من النساء في أرجاء أميركا في مسيرات احتجاجية على هذا الرئيس الذي ترى نسبة كبيرة من نساء أميركيات أنه لا يمثلهن، بل يمثل كل المعاني التي تتعارض مع مبادئ النسوية والمساواة واحترام المرأة وحقها في أن تكون حرة في إقرار ما يجب وما لا يجب أن تقوم به المرأة في حياتها وصحتها البدنية.
الرئيس ترمب الذي سيحكم لأربع سنوات قادمة أعظم دولة في العالم سيكون رئيسا جديدا في كل شيء، ليس أقلها أن أعلن مرارا أنه غير ملتزم بالمبادئ السياسية التي تحكم العلاقات السياسية الأميركية الداخلية والخارجية، إنه رئيس يصح لنا أن نصفه بأنه زعيم يغرد خارج السرب، فهل هذا أمر مخيف؟ ربما وربما كلها مشاهد ما قبل رفع الستار.