كشفت وزارة التعليم مؤخرا، عن نيتها الاستعانة بهيئة المواصفات لتخفيف الحقيبة المدرسية، تجنبا لتحميل الطالب حملا يؤثر على عضلات ظهره وكتفيه.
والحق أن هذا مسعى نبيل، وإن كان سيوقع هيئة المواصفات في حرج كبير، فعدد المواد الدراسية كبير، وعدد الكتب لكل مادة كبير أيضا، فأي مواصفات يمكن أن تحل مشكلة الحقيبة المدرسية؟
قبل عدة سنوات، أعلن في مدارسنا عن توفير ما يعرف بالسبورات الذكية، وكانت الآمال حينذاك معقودة على ما سيواكب هذا الإعلان من خطوات، قد تكون أولاها التخلي عن الحقيبة المدرسية، واستبدال الكتاب الورقي بالكتاب الإلكتروني، ثم توفير منظومة خدمات إلكترونية مدرسية تختزل كثيرا من الجهد على المعلم والطالب، لكن الجميع فوجئ بأن عدد الكتب تضاعف للعيان بعد ظهور السبورات الذكية، بحيث غدا لكل مادة كتابان "كتاب الطالب، وكتاب النشاط أو التطبيقات"، مما خيّب الآمال وزاد الأحمال على الطالب والمعلم.
والحق أنه خلال استطلاع آراء الطلاب والمعلمين حول فاعلية تلك الكتب، تبين أن قلة قليلة منهم تفعّل الكتابين معا، أما الغالبية العظمى فتلقي بكتاب النشاط جانبا، وتشتغل على كتاب الطالب طوال الوقت.
ولا عجب في ذلك، فوقت الحصة ومحتوى المقرر، الموزع بدقة على أسابيع الفصل الدراسي، لا يسمحان بتفعيل الكتابين اللذين لا يختلف ثانيهما عن أولهما إلا في وجود عدد أكبر من التطبيقات؛ تشبه في مضمونها وطريقتها التطبيقات التي يحويها الكتاب الأول، مما يعني أن أحدهما كان كافيا وافيا بتقديم المادة.
وفي ظل رغبة المملكة في التحول إلى مجتمع المعرفة، وحرصها على استغلال كل الإمكانات في سبيل إعداد جيل مسلح بالمعرفة بطرق تتناسب مع العصر، فإن التفكير في الإبقاء على الكتب المدرسية بهذه الكثافة يغدو هدرا للجهد والوقت، مما يتطلب البدء
بالتفكير في حلول أخرى غير وضع مواصفات لحقيبة مدرسية جديدة تحمل كل تلك الأسفار، دون الخروج منها بمعرفة تناسب متعلم هذا العصر وتعليمه القائم على التقنية والأجهزة الذكية.
نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الاستعانة بخبراء التنمية البشرية والاستثمارات الإنسانية في بناء مناهجنا، ووضع خططنا التعليمية. ولا عيب في أن تراجع الوزارة خطتها السابقة فيما يتعلق بالكتب المدرسية، وأن تبحث عن البدائل الأنجع والأنفع للطلاب، فالمعلومة اليوم لم تعد ضالة أحد، وطلاب المدارس اليوم علماء صغار، لديهم من المعرفة في البرامج والتطبيقات ما يؤهل الوزارة لوضع خطط جديدة، تستثمر فيها معرفتهم وتسير بهم إلى الأمام، متجاوزة الكتب المدرسية.
إن الإصرار على وجود الكتب المدرسية بهذه الكثافة، هو الذي اضطر الوزارة إلى التفكير في إعادة النظر في الحقيبة المدرسية، وإلا فآمال التربويين تتجاوز ذلك، فهم ينتظرون بشغف ذاك التحول من التفكير في "حجم الحقيبة" إلى التفكير في "حجم المعرفة" التي يتحصل عليها الطالب خلال حصة الدرس؛ أي ما يكتسبه من المعرفة في 45 دقيقة.
هذا هو ما ينبغي أن تشتغل به وزارة التعليم، وحينذاك يصبح أمر الحقيبة ثانويا، ولن تحتاج إلى هيئة المواصفات، لأنها تكون قد وضعت للمعرفة مواصفات أكثر عمقا مما تحويه الحقيبة المدرسية.