تناقلت وسائل الإعلام المحلية في الأيام الماضية خبراً مصدره (نزاهة) عن قيام موظفين من الشركة السعودية للكهرباء (بخيانة الأمانة وتبديد المال العام)، وذلك في عقود تجاوزت (80) مليون ريال، كما اتضح للهيئة مخالفة تمثلت في استقطاب عدد من الاستشاريين الأجانب على مهام وأعمال سبق إعدادها، وقبل العودة للثمانين مليونا أقول إن استقطاب الاستشاريين بهذه الطريقة ليس غريبا أو ملفتا، فهو تقريبا موجود في كل الهيئات والوزارات، أو في أحسن الأحوال ظنا هو أقرب إليها من حبل الوريد، وهذا لا يعني أنني أتهم الجميع بالفساد، فالتعميم لغة الحمقى، كما أن التبعيض لغة الجبناء، لكن في (أغلب)- مفردة تحاول أن تتملص من الحمق والجبن- أغلب الأنظمة لدينا فيها ثغرات تجعل الجمل يلج في سم الخياط، وهذه الثغرات لا تحتاج لقانوني كي يكشفها، بل يلحظها من تشبه معرفته القانونية معرفته بتاريخ الحفيد الثالث لرئيس جمهورية الواق واق، وأغلب الظن أن من صاغ هذه الأنظمة كان يُحسن الظن بالجميع (معقول فيه أحد يستغل ثغرة لمصلحته الشخصية؟!)، الطريف أن أغلب القضايا التي حسبناها فساداً هي كذلك، لكنها (فساد حسب النظام)، ومشكلة نزاهة بكشف مثل هذه الأخبار أنها ترفع سقف تطلعات المواطن من نزاهة، التي أحالت القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي ستحقق والمحكمة ستصدر الحكم، والبلاغ أتى من مواطن، إذاً لم يبقَ لنزاهة من الخبر إلا كلمة (أحالت)، طيب..كيف حكمت (نزاهة) بأن الأمر خيانة للأمانة وتبديد للمال العام؟!
وكي لا تجذبنا الأسئلة للعمق فإنني أذكر أنني قرأت حكاية لص طريف دعا صديقه لمرافقته لعملية سطو ممتعة، وفعلاً بدأ بالرحلة التي تُوجت بالقفز إلى منزل، والوصول إلى الخزينة والاستيلاء على ما فيها من أموال، لكن الغرابة والدهشة بدأت على الشريك المدعو عندما طلب منه الداعي (اللص صاحب الاقتراح) أن يفتح ثلاجة المنزل ويأتي له بمأكولات ومشروبات ويضعها على الطاولة، ثم طلب منه أن يشغل جهاز التسجيل ويبحث عن أكثر الأغاني صخباً، ثم طلب من صديقه أن يجلس ليشاركه لعب الورق، هنا دخل صاحب المنزل شاهراً سلاحه، لكن اللصان أكملا اللعب دون مبالاة مما أتاح لصاحب المنزل الاتصال بالشرطة، وفعلاً وصلت الشرطة وأخبرهما أنه وجد هذين اللصين بمنزله وقد أفرغا الخزانة و.. و.. قاطعه اللص: لا سيدي الشرطي، لقد دعانا هذا الرجل لنلعب الورق، وعندما خسر اللعبة ها هو يرفض تسليمنا المبلغ الذي كسبناه، نظر الشرطي للطاولة التي تئن من تراكم المأكولات والمشروبات والأموال والكؤوس وصوت الموسيقى الصاخب، فكّر الشرطي بالمغادرة بعد أن وبّخ صاحب المنزل وهدده بتوجيه تهمة البلاغ الكاذب في حال تكرار ذلك، وبينما هو يهمّ بالخروج استوقفه اللص: لحظة سيدي.. سوف يقتلنا هذا الرجل أو يحرمنا من مالنا إن غادرت، لذا نطلب الحماية.
ما علاقة هذه القصة بشركة الكهرباء؟ لا أدري لكنني أفكر: أين ذهبت الثمانين مليوناً؟!
هل وفقت نزاهة في (قراءة العداد)؟ من يُجيب؟ أتمنى أن لا يغطي صوت الموسيقى الصاخبة سمع وسائل الإعلام التي احتفت بنصف الخبر!