خسر عشرات السعوديين مؤخرا وظائفهم في القطاع الخاص، للشركات مخارج متعددة ويوجد خلل واضح في الأنظمة أشبعه المتخصصون حديثا، لعل أشهرها المادة 77 سيئة الذكر. الجدل في توظيف السعودي والأجنبي ليس جديدًا، وهذا الجدل أدّى لظهور جبهتين افتراضيتين في الإعلام يحمل لواء كل منهما مجموعة تهاجم الأخرى وتدافع عن موقف حلفائها، مع أني أظن أن دور الإعلام هو رفع الوعي بشكل عام وليس حماية زيد أو امتداح عبيد.
لكن، قبل أن يرفع أي منا يده مهاجما السعودي أو الأجنبي، لنستعرض تجربة الاثنين. فربما لم يسبق لبعض من يتحدثون عن تجربة عمل السعودي في القطاع الخاص خوض هذه التجربة، شخصيا عملتُ في القطاع الخاص لفترات مختلفة، وأجدرها بالعرض هي تجربة العمل بعد البكالوريوس، وبعد الماجستير.
عملت بعد البكالوريوس في مدرسة خاصة عالمية تطبق أهم البرامج وتتمتع بسمعة عالية وما زالت، في تلك المدرسة شعرت السعوديات بالغربة فعددهن محدود، ليس بسبب الكفاءة لكن لأن الملفات الخضراء تمر بعدة مكاتب يعمل فيها إخوة من جميع الجنسيات حتى تصل لمدير المؤسسة التعليمية، والذي لا تعنيه جنسية الموظف بقدر ما يعنيه أن يوجد موظف مؤهل يقوم بالمهمة ويخفض التكلفة. بعد التعيين اكتشفنا أن رواتبنا تقل عن رواتب الجميع، حتى زميلاتنا العربيات المماثلات لنا في المؤهل والخبرة وساعات العمل، كما يتفوقن علينا بالسكن القريب المقابل للمجمع الفاخر في أحد أرقى أحياء الرياض، أضف لذلك التذاكر وتعليم الأبناء والعلاج المجاني وخلافه. هل كان السبب تفوقهم في المؤهل أم اختلاف جودة العمل أم مهام المهنة؟ أقول وأنا شاهد على ذلك العصر لم يكن لزميلاتنا أي ميزة علينا سوى جنسياتهن للأسف، بل إنني ما زلت أذكر صدمتي في إحداهن وهي تقول للطالب (Is she yours) خلال حديثها عن (مقلَمة).
بعد الماجستير عملت أيضًا في جامعة أهلية، شاء الله أن أستلم عملي في نفس اليوم الذي استلمت فيه زميلتي أميركية "الجنسية" عملها، بل ونأخذ نفس المصعد لمقابلة مسؤولة الموارد البشرية. جلسنا متقابلتين أمامها وأخرجت العقود وبالخطأ سلمتني عقد الأميركية وسلمت الأميركية عقدي، كانت تتحدث معها وبدأت أنا بقراءة العقد للتوقيع. للأمانة لفت نظري الراتب قبل الاسم ثم انتبهت للاسم فأعدته لزميلتي وأخذت عقدي. راتب زميلتي التي تماثلني في التخصص والدرجة العلمية والخبرة وأتفوق عليها بعدد الساعات يبلغ ثلاثة أضعاف راتبي واللهم لاحسد. (بلعت العافية) كما يقال وأقنعت نفسي بأن المهم بيئة العمل والوظيفة قبل الراتب، في الحقيقة كان المهم أن أعمل بشهادة الماجستير لكيلا أنضم لقوافل المعطلين.
مما مرّ علي في القطاع الخاص أيضا ترشيح الأجانب للدورات وتجاوز السعوديين، حتى ما يقام منها مجانًا في NCAAA ومعهد الإدارة العامة على سبيل المثال. كان سؤالي الملحّ وقتها (ماذا عن تدريب السعودي!؟) فالسعودي هو الذي سيبقى بعد أن يأخذ الجميع حصصهم ويرتبوا حقائبهم ويستقلوا الطائرات لبلدانهم. علمت فيما بعد أن مسؤولة الجودة والتطوير الأجنبية هي من تختار المرشحين.
الخلاصة أن أغلب الأجانب ممن عرفت في القطاع الخاص قبل وبعد الماجستير عاشوا بيننا برواتب أفضل منا وبدون أي ضرائب، وبمميزات لا يحلمون بربعها في بلدانهم بشهادتهم شخصيًا، ثم انتقلوا بكل ممتلكاتهم وخبراتهم، والتدريب الذي حصلوا عليه مجانًا في تعليمنا، للعمل في دول أخرى بعضها قريب مثل دبي وقطر ليحصلوا على فرص أفضل وليحصل أبناؤهم على تعليم أفضل، وما زال السؤال قائما (ماذا عن السعودي)؟ بالنسبة للأجنبي السعودية مرحلة، لكن بالنسبة لي ولك ولأبنائي ولأبنائك الوطن هو العمر كله.
هل العمل في القطاع الخاص مجهد؟ نعم مجهد ويجعلك تقف على أطراف أصابعك كما يقال، لكنك تكتسب الكثير من المهارات وتتعلم الكثير من الدروس وأهمها أن البقاء للأفضل.
أما عن قول البعض بأن هناك مهنا لا يتقنها السعودي، فهذا من القولبة والعبارات المعلبة التي لابد من تجاوزها، لا أقولها حماسًا أو تشجيعًا، لكن بالفعل أثبت السعودي جدارته وقدرته في أي موقعٍ كان بشرط حصوله على التدريب المناسب، بل إن رئيس إحدى الشركات المسؤولة عن التدريب ذكر هذا وأكّده في معرض حديثه مؤخرا عن متدربي شركة (صدارة).
مسألة التدريب هذه ليست بيد الموظف أو الباحث عن الوظيفة، ولكن في يد الجهة التي يعمل فيها إذا كان موظفا، أو الوزارات المعنية بتوطين الوظائف وتأهيل غير الموظف وإعداده لسوق العمل، هل تتوقع صادقا أن يدربه زميله الأجنبي أو حتى أستاذه الأجنبي ليأخذ مكانه؟ لنكن منطقيين هذا لن يحدث، المسألة هنا مادية.
من واقع التجربة، لو أراد غير البريطاني العمل في بريطانيا عليه أولا أن يتقدم مثله مثل البريطاني للحصول على (بطاقة تأمين حكومية) حتى لو أراد العمل لساعة واحدة في الأسبوع، هذه البطاقة إلزامية لضمان حق الدولة في الحصول على الضريبة من دخل العامل قلّ أو كثر، كما أنها تضمن له حقوقه مع صاحب العمل. العامل هنا تشمل الجميع من الطبيب إلى سائق الأوبر.
تبقى عدة أسئلة، هل يجب خروج كل أجنبي من السعودية؟ ربما لا نستطيع ذلك الآن، لكن علينا متابعة العمل بهذا الاتجاه بكل ما أوتينا من حكمة وقوة وموارد.
هل يعني هذا أنني ضد العامل الأجنبي في بلدي؟ على العكس أنا مع اختيار الأميز بينهم أيًا كانت مهنته، ومع تنظيم أوضاعهم وإنشاء جمعيات مهنية لاستيفاء حقوقهم وتوفير أفضل اشتراطات العمل لهم بشرط استفادة وطني منهم، والعمل على تأهيل وتدريب البديل المحلي الذي يساعدنا على النهوض ببلدنا بأنفسنا. أضيف أننا لا ننكر فضل أحد ولا نقلل من أحد، فخلال الدراسة والعمل تشرفت بأساتذة ومشرفين وزملاء عمل وطالبات من جميع الجنسيات استفدت جدًا من تجاربهم، لكن يظل ابن البلد المؤهل أو القابل للتأهيل أولى ببلده ويستحق أفضل الفرص فيها.