قبل أن يكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، كان الخليج العربي ينعم بالهدوء والسلام، بموقعه الجغرافي متميزاً بمركزه التجاري بين الشرق والغرب، وكانت الملاحة العربية بين موانئ الخليج العربي وموانئ المحيط الهندي مزدهرة بالبضائع الشرقية، التي كانت تنتقل بالسفن العربية، لتُفرغ حمولتها في البصرة، ثم تكمل طريقها براً إلى حلب، مروراً ببغداد وحمص وحماة، لتنقلها السفن الإيطالية فيما بعد من حلب إلى الموانئ الأوروبية.

أدرك البرتغاليون أهمية الاستيلاء على الخليج العربي عام 1515، لتكوين إمبراطورية في الشرق، بهدف السيطرة على التجارة، وعلى الحُكام المحليين، وإرغامهم على الانصياع لسطوة ملك البرتغال. فأحرقوا السفن وأسروا الرجال، وجدعوا أنوفهم وآذانهم ونكلوا بهم، للقضاء على القوة السياسية لهم في البحار. فاستولوا على الساحل العماني، واحتلوا مسقط وجزيرة هرمز، ودمروا مدينة خور فكان وأحرقوها، وقاموا ببناء قلاع وحصون، كجزء من إستراتيجية الاحتلال، للسيطرة على مداخل المحيط الهندي، وأكملوا بناء قلاعهم في البحرين وفيلكا وجلفار. ومنعوا كل السفن العربية، من الملاحة في المياه الشرقية، إلا بتصريح من السلطات البرتغالية في هرمز وجاوه، بعد أن احتكرت التجارة تماماً، واستولت على جميع الثروات، في الموانئ العربية التي باتت تحت سيطرتها.

على أثر ذلك اغتنى البرتغاليون غنى فاحشا، بعد احتكار السلع التي سلبوها، مثل الفلفل والزنجبيل والقرفة والقرنفل وجوز الطيب والحرير وغيرها. وازدهرت تجارتهم من الخليج العربي إلي المحيط الهندي.

ومن أجل توسيع رقعة سيطرتهم، تحالفوا مع الشاه، فعرضوا عليه أن يستولي على البحرين والقطيف، مقابل موافقته لهم، على احتلال ميناء جوادر على ساحل بلوشستان، وتنازله عن هرمز. وعلى الرغم من الاتفاقية المبرمة بينهما، إلا أنهم خرقوها باحتلالهم للبحرين، ومن ثم عدن.

أثناء تلك الفترة اندلعت معارك بين فرنسا وهولندا وبريطانيا، بعد أن أسست كل دولة شركات مثل (شركة الهند الشرقية الفرنسية، وشركة الهند الشرقية الهولندية)، التي كانت تتنافس للاستحواذ على التجارة العربية في منطقة الخليج.

فأصدرت ملكة بريطانيا" عام 1600، قرارا ملكياً، يقضي بتأسيس "شركة الهند الشرقية البريطانية، ومنحتها امتياز التجارة في الهند والشرق. لزيادة النفوذ البريطاني في الشرق، بحجة الإشراف على فروع الشركة في إيران والعراق وتركيا والخليج العربي والبحر الأحمر.

وحين تفجرت آبار النفط، في شبه الجزيرة العربية، بدأت حقبة أخرى من الصراع على الثروات. فبدأت الدول الكبرى، بإرسال عملاء، يمسحون الصحراء، متنكرين بأزياء بدوية، يبحثون عن النفط، في الفترة التي سبقت انتشار التعليم، وكان الإنجليز أول من سال لعابهم. فأجروا مفاوضات بين شركات النفط ومشايخ الدول، لاحتكاره والحصول على امتيازه. بعد أن أعفوا الأجانب من القوانين المحلية في كل دولة.

فحصلت بريطانيا في نهاية لهاثها، على امتياز خاص بالتنقيب واستخراج النفط والغاز الطبيعي، ثم فرضت سطوتها وتحكمت في زمام الأمور، فمنعت استيراد وتصدير السلاح، وبيع الأسفنج وصيد اللؤلؤ دون موافقة بريطانيا، وأبرمت كثيرا من المعاهدات الخبيثة، التي حدَّت من سُلطة الحُكام، وكانت لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية ونفسية سلبية، أثرت على منطقة الخليج بأكمله.

توسعت حلقة الأطماع البريطانية في دول الخليج، ولم تنتهِ، بل وقفت أمامها الأطماع الأميركية، وكعادتها كان لابد أن تأتي باختراع، يضمن لها حصة من تلك الغنيمة، التي ناورت من أجلها الدول الأوروبية لتظفر بها في النهاية. فطالبت بسياسة الباب المفتوح، لتكسر من الاحتكار البريطاني للنفط الخليجي، وجعله من حق كل الدول الاستعمارية، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا وأميركا تسيطران على أغلب حقول النفط في الخليج العربي لتفوز أميركا في تلك المنافسة، بنفط البحرين عن طريق شركة (ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا)، ثم نفط الكويت عن طريق شركة (غولف أويل كوربوريشون)، وربما أكبر انتصار حققته، كان في السعودية، عن طريق شركة (ستاندرارد أويل) وشركة (تكساس كومباني) لتحمل الشركة الجديدة اسم شركة النفط العربية الأميركية.

أثناء ذلك، كانت الأطماع الصهيونية بكل دهاء، تخطط لأهدافها في الخليج، فتحيك الفتن والخطط، وتصطاد في الماء العكر، لتجعل منطقة الخليج ضعيفة هشة، منقسمة، مشتتة، يتناحر فيها أبناء البلد الواحد، فيقتلون بعضهم بعضا، ويدمرون أوطانهم، لتستطيع سلبهم أراضيهم بسهولة، من أجل تحقيق الحلم الصهيوني، بتوسيع حدود "مملكة داود"، ودولة إسرائيل الكبرى على أرض الواقع، والتي تمتد من النيل إلى الفرات، ويساعدها على تحقيق حلمها هذا حكومة العم سام.

هذا الموجز للتذكير، بأن للأطماع الاستعمارية في الخليج، تاريخا دمويا طويلا، بدأ منذ قرون ولم ينتهِ، بل تتغير حبكته في كل عصر، متنقلاً من دولة خليجية إلى أخرى، برداء واتفاقيات مختلفة، فمهما كان جمال تأنقه أو غُلف بالذهب، ينبغي ألا يخدعنا بريقه، بعد تلك الدروس التاريخية المريرة، بل علينا في الخليج أن نتفق لتغيير قوانين اللعبة.