اليوم السبت الواحد والعشرين من يناير بدأت ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد ما يقارب العام من الضجيج والاحتمالات والسجالات أميركيّا وعالميّا. وربما تكون الانتخابات الأميركية الأخيرة هي الأكثر ضجيجًا في تاريخ الانتخابات الأميركية. ومنذ اليوم لا يجب أن نستند إلى التحليلات التي كنّا نتابع من خلالها السياسة الأميركية، لأنّنا أصبحنا نتابع ولاية فعلية لرئيس جديد، وسوف نتعرّف على التوجّهات الحقيقية وليس على الوعود الانتخابية.
طبعاً لا نستطيع أن نحدّد أيضاً ماذا تنتظر الدول الكبرى كألمانيا واليابان من ترمب، وكذلك التجمّعات كالاتحاد الأوروبي وغيره، بالإضافة إلى روسيا والصين. وهي انتظارات غامضة ومعقّدة لتداخل المصالح بينها وبين أميركا، وكذلك التناقض أيضاً. وسوف تتابع كل دولة أو مجموعة السياسات التي تهمّها بشكل مستقلّ، وهذا لسبب واضح جدّا، وهو أنّه لن يبقى شيء من سياسات أوباما الداخلية والخارجية، ممّا يفرض على الجميع الترقّب والانتظار.
أمّا فيما يختص بالمنطقة العربية وقضاياها، ومعها دول الشرق الأوسط، فالأمور تتباين بين دولة وأخرى وفريق وآخر. فبالنسبة للدول العربية والتي عَرِفت الأسوأ من أميركا-أوباما، فهي أكثر استعداداً للتعامل مع سياسات ترمب كيفما كانت، لأنّ العرب لن يعرفوا رئيسا أميركيا أسوأ من أوباما في التعامل مع قضاياهم ومنطقتهم. وهذا ما اعترف به الرئيس ترمب مواربة عندما اعتبر أنّ إدارة أوباما مسؤولة عن ظهور تنظيم داعش والإرهاب الذي يقوّض استقرار أميركا والعالم.
أمّا بالنسبة لإيران، فالأمر بالغ الدقة لأنّها عملت بالتوافق التام مع إدارة أوباما في أكثر من موضوع، وخصوصاً في سورية والعراق، والانسحاب الأميركي في نهاية 2010، وترك العراق لإيران على حساب الأكثرية المحقّقة في الانتخابات العراقية، والتي أعطت نجاحاً للائحة إياد علاوي، فجاء اتفاق أربيل الذي رعته أميركا لمصلحة المالكي وحزبه، على حساب الوحدة الوطنية العراقية، والتخلّي عن المجموعات التي حاربت تنظيم القاعدة في العراق، أو ما عرف بالصحوات. لذلك إيران تتهيّب التغيير الذي حصل في أميركا، لأنّ حقبة أوباما غير حقبة ترمب، وهذا لا يحتاج إلى نقاش أو إقناع.
الانتظار العربي والشرق أوسطي لن يطول لاستكشاف توجّهات الإدارة الأميركية الجديدة، لأنّ روسيا تحتاج إلى الاستكشاف أكثر من غيرها بسبب تورّطها العسكري الميداني في سورية تحت غطاء من إدارة أوباما، لذلك أرادت منذ البداية أن يكون مؤتمر أستانة حول سورية بعد تولّي الرئيس الأميركي الجديد في الثالث والعشرين من يناير. ولا مانع لدى روسيا من تأجيل الاجتماع أياما أخرى لتأمين حضور أميركا إلى أستانة رغم اعتراض إيران التي باتت تعرف جيّدا أنّها ليست رقماً صعباً في سورية، وأنّ العالم ليس مضطرّا إلى التفاوض معها حول مستقبل النظام هناك، بعدما أعلن قبل أيّام وزير الخارجية الروسي أنّه لولا التدخل الروسي في سورية لكانت دمشق على وشك السقوط خلال أسبوعين في أيدي المعارضة. وهذا يعني بشكل واضح أنّ الروسي أنقذ إيران والنظام في سورية، ولا يسمح لهما بتحديد الاتجاهات السياسية لحلّ الأزمة. يريد الروس من الرئيس الأميركي الجديد تغطيةً للحلّ السياسي المقترح على أساس تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يتمتّع بثقة الأطراف، ويمتلك صلاحيات عسكرية للإشراف على وقف إطلاق النار، وتعبئة القوى لمحاربة داعش، وخروج كل الميليشيات اللبنانية والعراقية من سورية.
لا أحد يعرف عدد الأطراف التي ستحضر مؤتمر أستانة، وهي مرشحة للزيادة عربيّا على وجه الخصوص. وأيضاً ستشهد العلاقات الإيرانية- الأميركية أوّل تقابل غير معروف النتائج، لأنّ تفاهمات أستانة الروسية حول سورية إذا نجحت ستعكس نفسها على العراق من قبل أميركا، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ القضاء على دولة داعش في الرقّة السورية يحتاج إلى اجتياحات بريّة للداخل السوري والعراقي. وهنا تتوسّع الاحتمالات حول مشاركة التحالف العربي- الإسلامي. وربما هذا يتطلّب تدخّلاً عسكريّا أكبر من الولايات المتّحدة، وربما أيضاً تتدخّل بعض دول الجوار السوري.
إنّ اجتماعات أستانة التي دعت إليها روسيا وتركيا، وأيّدتها إيران فيما بعد، ستكون البداية العلنية للسياسة الأميركية الجديدة في المنطقة. وربما بعدها نستطيع أن نبني على الشيء مقتضاه، ونعرف كيف ستكون العلاقة بين ترمب وروسيا وإيران.