الأمير الدكتور فيصل بن مشعل أمير القصيم -حفظه الله- معروف لكل أحد بنشاطه في جميع المجالات، ومنها اهتمام سموه الكريم بالتحصين الفكري.

ولهذا الغرض استضاف سموه في قصر التوحيد ببريدة سماحة الشيخ العلامة صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، بحضور نخبة كبيرة من الدعاة والقضاة والأساتذة ورجال الفكر والإعلام والمواطنين، فكان لقاء حواريا رائعا أداره سموه بحكمة واقتدار.

ولكوني شرفتُ بحضور هذا اللقاء، ورغبة في نقل الفائدة، من ذلك الحوار الرائع، والإجابة المسددة، فإني أبيّن في هذا المقال بعض المقتطفات، فمنها:

1 - قيل لسماحة الشيخ إن هناك من يفتي بالجهاد في مواطن الصراع، فأجاب: هذا ليس جهادا، هذا إفساد، لأن الجهاد الصحيح موكول لولي الأمر، وليس للتنظيمات والجماعات المتحزبة، والذين يفتون الشباب للخروج لأماكن الصراع هم دعاة فتنة.

2 - فقيل لسماحته: إن هناك من يستقطب الشباب إلى ما يسمى بدولة الخلافة، ولا يرى البيعة إلا لإمام واحد لكل المسلمين.

فأجاب: إن هذه خرافة وليست خلافة، والناس منذ زمن الإمام أحمد إلى اليوم، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولم يقل أحد من العلماء، إن البيعة لا تنعقد، إلا إذا كان الحاكم إماما لجميع أقطار المسلمين.

ومقتضى هذا القول أن الناس منذ زمن الإمام أحمد إلى اليوم، يموتون وليس في أعناقهم بيعة، فيموتون ميتة جاهلية، ومجرد تصور هذا القول كاف في إبطاله.

3 - فقيل لسماحته: هناك من يكفِّر بلادنا السعودية، ويقول إنها لا تحكم بالشريعة، فما الجواب؟

فأجاب سماحته: هذا القائل يكذب الواقع المشاهَد، والتفت إلى القضاة، وقال: ها هي محاكمنا في المملكة العربية السعودية تحكم بالشريعة، وها هم قضاتنا متخرجون من كليات شرعية، وصاحب هذه الدعوى صاحب هوى، لا يعقل ما يقول.

4 - ولما سئل سماحته عن التكفير والردة، أجاب: الحكم في هذا للقضاة في المحاكم، والمسلم عليه أن يحفظ لسانه، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، وفيما كُفِي مؤنته، وعلى المسلم أن يستحضر وقوفه بين يدي الله، وسؤال الله له عن كلامه وفتاواه، لأن الكلام على الله خطير، والفتوى توقيع عن رب العالمين، والصحابة كانوا يتدافعون الفتوى رغم أنهم مؤهلون لها، فما بال بعض الجهال يتهافتون عليها.

وقد تكلم سماحته كلاما طويلا عن الفتوى وشروطها وضوابطها، وأنها منصب خطير جدا، تولاها الله بنفسه فقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الله يفتيكم، فالله تولى الفتوى، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- تولى الفتوى، مما يدل على خطورتها، فكيف يتصدر لها الجهال والمجاهيل ودعاة الفتن ومحبو الظهور وأصحاب الأهواء، فعليهم أن يتقوا الله، وأن يكفوا عن هذا التهافت على الكلام في دين الله، وعلى الناس ألا يأخذوا العلم إلا من أهله، إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون منه دينكم، والواجب على الجميع أن يحذروا الفتن، وليعملوا بقوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

وفي ختام هذا المقال: فإني أقول إن ما تقدم من حوار نافع، وإجابات مختصرة شافية كافية، كان من أهم ما استحضرته في ذلك المجلس المبارك، مجلس الأمير الموفق الدكتور فيصل بن مشعل، حفظه الله، ولمزيد من التثبت فقد قرأت هذا المقال قبل نشره، على سماحة شيخنا صالح الفوزان، فأقره، وأذن لي بنشره.