رغم مرور نحو سبعة عقود من الإعلان عن إنشائها وليس "استقلالها" تعددت التوصيفات والصفات المتعلقة بماهية وبنية ووظيفة إسرائيل. فثمة من اعتبرها "نصف دولة"، أو دولة "كبرى"، أو دولة فاسدة، أو دولة مشلولة، أو أنها ليست دولة محتلة، أو دولة صهيونية، أو أنها دولة يهوديةThe Jewish State ، أو "دولة الشعب اليهودي" أو دولة مزدوجة القومية، أو دولة ابارتهايد، أو "دولة مبتدئة" Start-Up Nation ، أو الدولة الإرهابية، أو أنها دولة تخون رعاياها وليست لجميع مواطنيها سواء أكانوا يهوداً أو عرباً.
وحاول كثير من المفكرين وكتاب الأعمدة الإسرائيليين، تقديم إجابات لأسئلة من الطراز التالي: هل ستكون إسرائيل ديمقراطية بعد عشر سنين؟ وهل يستطيع أحد أن يضمن هذا؟ وهل ستكون دولة علمانية أم تصبح دولة شريعة يهودية؟ وهل تكون دولة رفاه أم دولة رأسمالية؟ هل مدنية أم عسكرية؟
وخلص كل من: سول سينغر ودان سينور، مؤلفا كتاب صدر عام 2009 بعنوان "دولة مبتدئة" (Start-Up Nation)، إلى اعتبار إسرائيل أكثر "دولة مبتدئة" نشاطا في العالم، ولم يكتفيا بعرض الحقائق التاريخية والتجارية، إنما قدما صورة لإسرائيل كنموذج يقتدي به الأفراد والشعوب الساعية لبناء مشاريعها وتعزيز ثقتها بالنفس من الناحية الاقتصادية.
وقال سينغر إن إسرائيل ذاتها هي "شركة مبتدئة". وإن الإسرائيليين لا تهمهم الهرمية والرتبة والمكانة. إنها جميعا صفات إسرائيلية، ولكن بعضها لها جذور يهودية. إن التركيز الإسرائيلي على التعليم هو صفة يهودية أصبحت من الصفات الإسرائيلية، حيث تأسست الجامعات الإسرائيلية في العشرينات من القرن الماضي وقبل تأسيس الدولة. وإن إسرائيل تقيم توازنا كاملا بين الابتكارية والمبادرة التجارية، وهذا التوازن بالذات هو الذي يمنحها قدرا كبيرا من التنافسية أمام بلدان "ذكية" أخرى مثل فنلندا وسنغافورة وأيرلندا".
وآخر الصفات التي تستحقها بامتياز هي الدولة المارقة Rogue State لكونها تمارس نشاطات منفرة وبربرية لا تقيم وزناً للقانون الدولي في الداخل والخارج على حد سواء. أي أن إسرائيل تأخذ دائماً صبغة الدولة المارقة، والتي تضع قوانينها وأعرافها الخاصة وتقوم بتنفيذها. وسواء كان ذلك على صعيد الاحتلال العسكري المتواصل وغير الشرعي للضفة الغربية أو توسيع المستوطنات غير الشرعية واليهودية، فقط على الأرض الفلسطينية أو حصار غزة الذي يأتي تحت عنوان العقاب الجماعي، ولذلك هو غير شرعي، فإننا نتحدث هنا عن بلد يعتقد أنه يستطيع العمل بحصانة وإفلات من العقاب.
ومن أحدث المؤشرات والأمثلة التي تؤكد أن إسرائيل دولة مارقة تواتر الأخبار الأخيرة عن أن مسؤولاً إسرائيلياً، يعمل في سفارة بلده في لندن، كان يضع خططاً "لإسقاط" ساسة بريطانيين متنوعين بسبب معارضتهم للمستوطنات الإسرائيلية ودعمهم لقيام دولة فلسطينية. وهو شاي موسات، وبطاقته التعريفية تصفه بأنه "مسؤول سياسي كبير". كما أنه يعتقد بأنه يشغل منصباً في داخل قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، هو منصب "نائب رئيس قطاع المنظمات الدولية".
وكان أكثر شخص رفيع المستوى إغاظة لموسات في داخل المؤسسة السياسية البريطانية هو عضو البرلمان ألان دنكان، وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث. ففي خطاب له في العام 2014، كان دنكان قد وصف سياسة إسرائيل المتواصلة تجاه الفلسطينيين على النحو الآتي: "إن المستوطنات هي مستعمرات غير شرعية، بنيت في بلد يعود لآخرين. وهي تمثل فعل سرقة، بالإضافة إلى أنها شيء قامت دولة إسرائيل بإنشائه ودعمه على حد سواء".
ومما لا شك فيه أن إسرائيل دولة بدائية في أخلاقياتها وعنصرية، فضلاً عن كونها ما تزال في طور التكوين وافتراضية تفترض أو تتخيل نخبها تاريخاً أو تواريخ وجغرافية وتختلق شعباً، لكنها واقعياً وبمعايير السياسة والقوة ما زالت مشروعاً استعمارياً استيطانيا يسعى إلى التحول إلى دولة استيطانية عادية على غرار الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا، لكن ورغم حصول إسرائيل على شرعية دولية مشروطة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنها فشلت في تهويد فلسطين أرضاً وشعباً وسوقاً، فالفلسطيني صاحب الأرض حاضر رغم محاولات تغييبه وطمس هويته. كما أنها فشلت في الحصول على شرعية وجودها من محيطها الإقليمي العربي وغير العربي. فالتسويات التي أنجزت مع مصر والأردن والفلسطينيين هي في منزلة اتفاقات هدنة مديدة نسبياً، وليست تسويات تاريخية ولا تعكس حالة سلام عادل، بل عكست سلاماً هشاً ومنقوصاً، وقد يكون عابراً وهشاً. وستبقى إسرائيل دولة طارئة أو إسبارطة الجديدة، ولن تصبح أثينا الشرق الأوسط الجديد.