منذ بدء حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية الأميركية، يُظهِر الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب مواقفَ حادَّة من النظام الإيراني، سواء في خطاباته الشعبية العامة، أو في أحاديثه الإعلامية، أو في حواراته الصحفية.
وموقفه العدائي من إيران واضح صريح، يدلّ على ذلك أنه بعد أن فاز بالانتخابات الرئاسية جرى تمديد العقوبات المفروضة على طهران لمدة عشر سنوات جديدة، كما كانت له تصريحات تتعلّق بالالتفات إلى إيران وجماعات إرهابية، بعد الانتهاء من تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى تشديده على ضرورة إعادة النظر في بنود وطبيعة الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1".
وقد ظهرَت معلومات عن أن بعض الشخصيات المقرَّبة من ترمب، على علاقة وثيقة بالمعارضة الإيرانية، ومنهم مَن تابع وشارك في المؤتمرات التي نظّمتها المعارضة الإيرانية خلال السنوات الثلاث الماضية، كما تشير المعلومات إلى أن ترمب لا يكتفي بمواجهة العداء الإيراني من الخارج، بل يهتمّ بملفات كثيرة في الداخل الإيراني، وعلى وجه الخصوص الأقلّيات غير الفارسية في إيران، مما يشير إلى سيناريوهات أكثر تعقيدًا.
هذه العلاقة بين المعارضة الإيرانية والأميركيين من أشدّ ما يقلق النظام الإيراني، خصوصًا إذا قدّمت المعارضة الإيرانية لبعض الشخصيات المتنفّذة في إدارة ترمب، ملفّات حول النظام الإيراني وملف حقوق الإنسان، ويلوّح ترمب بأنه سيفرض عقوبات جديدة على إيران بخصوصه.
وقد أرسل ثلاثة وعشرون مسؤولًا أميركيًّا سابقًا رسالة إلى الرئيس المنتخَب دونالد ترمب يطالبونه فيها بالعمل مع المعارضة الإيرانية حال توليه المنصب، موضحين في رسالتهم أن "المعارضة الإيرانية تسعى للاجتماع مع ترمب"، وقد جاء في الرسالة "إن حكام إيران استهدفوا المصالح والمبادئ والسياسات الاستراتيجية الأميركية بشكل مباشر، فضلًا عن استهدافهم حلفاءنا في الشرق الأوسط، ولاستعادة المصداقية والنفوذ الأميركيَّين في العالَم، فإن على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسات منقحة".
وممَّا يدلّ على قوة هذه الرسالة أن من بين موقِّعيها عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني، والسيناتور السابق جو ليبرمان، والجنرال المتقاعد هيو شيلتون، وهو رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون.
ولعلّ هذه الرسالة متوافقة مع رسالة أخرى أرسلتها المعارضة الإيرانية من قبل إلى ترمب يحثّونه فيها على متابعة وعود حملته الانتخابية بشأن إعادة النظر في الاتفاق النووي، وهو ما وصفه سفير الولايات المتحدة الأميركية السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون بأنه "تنبيه لوجود معارضة في إيران، وأنهم مجموعة من أجزاء متعددة كحركات المعارضة الأخرى في العالَم، وأن لنظام الملالي بديلًا".
ومن الأسباب المُحتملة لاتخاذ ترمب هذا الموقف الحادّ تجاه إيران، ما يطرحه الواقع والمنطق من أن سلوك إيران العدائي قد ازدادت وتيرته خلال فترة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما، بسبب تهاونه مع إيران وعدم مبالاته بالتجاوزات الإيرانية، داخليّا وخارجيًّا، بالإضافة إلى تصديرها الطائفية ودعمها وتمويلها الجماعات الإرهابية وفِرَق المرتزقة، وإرسالهم إلى مناطق القتال في العراق وسورية.
في السياق نفسه نما شعور كبير في كثير من الدول العربية والإسلامية، بأن الإدارة الأميركية في فترة أوباما، تراخَت عن إيران، وتجاهلت سلوكها في المنطقة، مما تَسبَّب في كثير مما تشهده المنطقة العربية والشرق الأوسط من صراعات وحروب، وأدَّى إلى ظهور عديد من الجماعات الإرهابية والمسلَّحة، وتنامي ظاهرة الاحتقان الطائفي في عدد من البلدان، بل تجاوز الأمر ذلك إلى وصول الإرهاب إلى أميركا وأوروبا، كما حدث في فرنسا وألمانيا وغيرهما من تفجيرات وعمليات دهس وطعن أدَّت إلى وفاة عشرات المواطنين.
على الجانب المقابل أظهر ترمب معارضته الشديدة لهذا التراخي الأميركي مع النظام الإيراني، خصوصًا الاتفاق النووي الذي وقّعته طهران في يوليو 2015، وصرّح أكثر من مرة بأن "هذا الاتفاق هو أسوأ اتفاق، لأنه يضع إيران، وهي الراعي الأول للإرهاب، على طريق الحصول على سلاح نووي"، وقد صرّح بأنه إذا نجح في الانتخابات وتولّى حكم الولايات المتحدة الأميركية، فسوف "يمزّق الاتفاق النووي"، وهو التصريح الذي قابله النظام الإيراني قبل انتهاء الانتخابات الأميركية بالتهديد والوعيد واتهام ترمب بأنه لا يعرف ماذا يقول، أما بعد ظهور نتيجة الانتخابات الأميركية وفوز ترمب فقد تراجع المسؤولون الإيرانيون وتَعلّقوا بتصريحه الآخر بأنه "سيعيد النظر في الاتفاق النووي".
وحتى في معرض حديثه عن الوضع في العراق، وجّه ترمب انتقاداته الحادة إلى إدارة أوباما لأنها كانت السبب في تسليم العراق لإيران، وأن "إيران كانت ترغب في ذلك منذ وقت طويل"، ساخرًا من إدارة أوباما بقوله: "إيران سترسل إلى إدارة أوباما رسالة شكر قريبًا".
أما النظام الإيراني فلا يمكنه في ظل هذه الظروف إلا أن يعمل على "شيطنة" دول المنطقة العربية، خصوصًا المنطقة الخليجية، في الإعلام الغربي، وذلك عن طريق اللوبيات الموالية له، وفي المقابل تعمل هذه اللوبيات على تحسين وتلميع صورة النظام الإيراني وإظهاره بمظهر النظام الديمقراطي المعادي للإرهاب والجماعات الإرهابية، وذلك عن طريق التأثير على الفريق المقرَّب من ترمب، بالإضافة إلى عملهم على محاولة تغيير صورة نظام "ولاية الفقيه" في أعيُن الإدارة الأميركية الجديدة، وذلك عن طريق العزف على وتر المصالح الاقتصادية، وأهمية أن تحصل الولايات المتحدة الأميركية على حصة مناسبة من السوق الإيرانية، خصوصًا بعد أن رُفعت العقوبات عن طهران نتيجةً للاتفاق النووي.
تصريحات ترمب ضد إيران متعددة، في مواقف وأماكن متباينة، ولا أحد يعلم حتى الآن شيئًا عن مدى تطبيقه لها بعد أن يتولى السلطة في أميركا، إلا أن الواقع يقول إن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط تستدعي أن يكون الشرق الأوسط منطقة آمنة مستقرّة، وهذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إذا استمرّ السلوك العدواني للنظام الإيراني في المنطقة، لهذا فإن الأيام المئة الأولى من فترة رئاسة دونالد ترمب ستمثّل اختبارًا حقيقيًّا لمدى التزامه بتصريحاته خلال فترة الدعاية الانتخابية، وبعد ظهور نتيجة الانتخابات ونجاحه فيها.