في وسط المآسي التي تعصف بالمنطقة يبدو الحديث عن الترفيه نوعا من الترف، إلا أن الواقع يقول بأنه يستحيل على الإنسان أن يعيش سعيدا متوازنا راضيا دون أن يرفه عن نفسه شيئا يسيرا، ودون أن يستمتع ولو بأبسط الأشياء المتاحة له، ولذلك اخترع الناس الهوايات بأنواعها المتنوعة، بسيطة كانت أم خطيرة.

قبل أيام كتبت في حالتي على صفحتي الخاصة على موقع فيسبوك: "أذكر زمانا كنت أتطلع فيه لعطلة نهاية الأسبوع"! فمؤخرا باتت هذه العطلة الأسبوعية ثقيلة، خاصة كأم تشعر بأنها لا تعرف كيف ترفه عن ابنها. ففي كل جمعة وسبت أبحث عن مكان تقضي فيه أسرتي وقتا ممتعا، سواء لنا نحن الراشدين أو حتى الأطفال، فلا نجد إلا خيارات محدودة جدا، هذا وأنا أعيش في جدة، وينتهي بنا الحال إما الذهاب للغداء في مطعم، أو المشي بلا هدف في أحد المجمعات التجارية، أو -على الأغلب- سنبقى في المنزل، تجنبا للزحام والقيادة المزعجة في سباق الراليات الذي تشهده شوارع العروس بشكل يومي. والنتيجة أن تتأثر النفسية وتقل الإنتاجية وتصبح الأيام مكررة مملّة.

وتذكرت وقتها تلك العطلات القصيرة الخاطفة إلى مدن الخليج: دبي وأبوظبي والدوحة والمنامة والكويت، والتي كنا نهرع إليها متكبدين تكاليف وعناء السفر مع طفل صغير لقضاء ليلتين فقط نستعيد فيهما حماستنا للحياة. ففي تلك المدن نجد في كل مرة ما يدهشنا ويجعلنا نرغب في تجديد الزيارة، خاصة مدن دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كانت آخر زيارة لنا لمدينة خليجية إلى عاصمتها الفتية. فصحيح لا تملك أبوظبي وهج شقيقتها دبي ولا سحرها ولا خياراتها المتنوعة، ولكنها تملك مقومات أخرى: الهدوء، وقلة الازدحام، وأسعار أفضل، وأجواء عربية وأسرية أكثر. في أسواق أبوظبي ومتنزهاتها تلمح عددا كبيرا من المواطنين الإماراتيين وغيرهم من الإخوة العرب والمسلمين، مما يجعلك تشعر كمواطن خليجي بحميمية أكثر وكأنك في إحدى مدن بلادك.

من تجاربنا المتعددة السابقة تعلمنا أن أفضل مكان لقضاء الوقت في الإمارة هو جزيرة ياس، هذه البقعة التي تضرب أفضل مثال لكيف يمكن أن تستثمر الدولة سياحيا في منطقتنا. فهي قريبة من المطار ولكنها بعيدة نسبيا من وسط مدينة أبوظبي نفسها، وبالتالي لا تجد نفسك كسائح عالقا في حركة المرور اليومية المزدحمة، إن وجدت. كما تجد مختلف المرافق السياحية بالقرب منك، فلا تضطر للذهاب بعيدا. ففي المنطقة مجموعة من الفنادق المتميزة بنفس ذلك المستوى الراقي من الخدمة الذي نجده في دبي، وهناك شاطئ خاص بهذه الفنادق، في غاية النظافة وتحيط به كافة المرافق من كل جانب. في ياس أيضا تم بناء مدينة ملاهي "عالم فيراري" المدهشة التي تخدم شرائح الأطفال والشباب والعائلات على حد سواء، ومدينة ألعاب مائية، ومسطحات خضراء للعب الغولف. وبالطبع لا بد من وجود مركز تجاري متكامل الخدمات للتسوق والأكل والترفيه، كالسينما والألعاب الإلكترونية، تقام فيه مختلف الفعاليات والمناسبات. في الجزيرة كذلك مضمار للسباقات.

يمكنك كسائح أن تظل أسبوعا في هذا المنتجع الجميل في هذه المدينة الصحراوية الوادعة دون أن تشعر بالملل. فلا غرابة أن تتحول أبوظبي مثل جارتها دبي إلى مدن جذب لمختلف شعوب العالم، حتى دون وجود معالم تاريخية كالأهرام، أو جوٍّ معتدل وطبيعية خلابة كما في بلاد الشام. ستقابل في الإمارات سياحا ومقيمين من دول كنت تسمع بهم فقط في دروس الجغرافيا أو وأنت تشاهد فيلما وثائقيا على قناة ناشيونال جيوغرافيك مثل: بيلاروسيا وكولومبيا.

في أقل من 48 ساعة في ياس، ستشعر خلالها بأن كل فرد في العائلة الصغيرة قد أخذ نصيبه من متعة بريئة، كالمشي على شاطئ نظيف لا تحجبه الأسوار، والسباحة في المدينة المائية، واللعب في الملاهي، والاستمتاع بمتابعة سباقات السيارات والدبابات النارية الحقيقية، ومشاهدة أحدث الأفلام في السينما، والتبضع والأكل في أسواق ومطاعم لا تغلق عدة مرات خلال اليوم، مع توفر كافة المرافق الخاصة بالصلاة والعبادة، وكل ذلك في جوٍّ آمن وهدوء مريح وشوارع نظيفة، وحركة مرور انسيابية دون توتر وتضجر من طول الانتظار في السيارة.

في آخر زيارة، وبينما كنت أتجول بعيني بحثا عن مكان لم يسبق لنا اكتشافه، وجدت لوحة ضخمة تشير إلى أنه في هذا الموقع سيقام فرع لمدينة ملاهٍ تابعة لشركة "وارنربرذرز" الشهيرة (WB). حينما تذكرت تلك اللوحة استحضرت هيئة الترفيه الوطنية التي يبدو أنها ستكمل عامها الأول دون أن تعرف: ما الترفيه الذي ينشده السعوديون؟ ولا هم يعرفون لماذا بالضبط أنشئت الآن؟ وماذا باستطاعتها أن تقدم لهم مما لم تستطع هيئة السياحة فعله؟

عندما أقارن الترفيه عندنا بذلك الذي أعايشه في الخليج، يبدو الفرق واضحا جدا وقتها: من يريد أن ينشط السياحة، أو يخلقها من العدم، فليس بحاجة لعمل كل هذه الاجتماعات والاستبيانات والدراسات التي لم تتمخض عن شيء ملموس حتى الآن. هو سيلقي نظرة خاطفة على ما يرده السائح في أي مكان في العالم -فالسعوديون ليسوا مخلوقات فضائية- ويعمل على تطبيقه بشكل فوري بفتح الباب للاستثمار فيه، مع استثناء ما يتعارض مع تشريعات الدولة وقوانينها.

في الماضي كنا نقارن وسائل الترفيه ومرافق السياحة لدينا بما نجده في أوروبا وأميركا، وكنا نعزي أنفسنا بأن الفارق الحضاري والثقافي بيننا وبين الغرب كبير، وبالتالي فليس من العدل أن نتوقع المستوى نفسه من الترفيه والجودة والخدمات السياحية في المملكة. لكن حين بتنا نقارن ما لدينا بالإمارات وقطر وحتى البحرين وعمان، فقد باتت المقارنة موجعة، فإذا كان الناس هم الناس، والجو هو الجو، والموارد نفسها، والطبيعة ذاتها، فلماذا إذاً نشعر حينما نصل لمطاراتهم القريبة بأننا قد سافرنا إلى المستقبل، وحين نعود إلى مدننا بأننا رجعنا إلى الماضي؟

هل نحتاج حقا إلى هيئة ترفيه لنشعر بقليل من السعادة داخل بلادنا؟ أم أننا نحتاج إلى وقفة جادة وفورية لتطوير كافة الخدمات والمرافق الخدمية ومن ضمنها السياحية

هل ستقرر عائلة إماراتية ذات يوم أن تزور جدة لتقضي عطلة نهاية أسبوع سعيدة ومتميزة واستثنائية؟