احتجاجاً على قرار أصدره مجلس الأمن الدولي وطالب بإنهاء بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. أعلنت إسرائيل مؤخراً، أنها ستخفض ستة ملايين دولار من تمويل الأمم المتحدة في 2017، وقالت بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة إن التمويل سيُخفض لهيئات الأمم المتحدة التي وصفتها بأنها "معادية لإسرائيل"، ومن بينها اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وإدارة الأمم المتحدة للحقوق الفلسطينية.
واللافت أن الإعلان الإسرائيلي جاء متأخراً وبعد أكثر من أسبوع على إعلان السناتور الجمهوري ليندسي غراهام أنه سيقود الجهود لمنع التمويل عن الأمم المتحدة حتى يتم إلغاء مشروع إدانة الاستيطان الإسرائيلي.
قد لا يشكل تخفيض مساهمة إسرائيل المالية في ميزانية الأمم المتحدة وسيلة ابتزاز ذات شأن كبير، لكن هذا الأمر لا يسري على المساهمة المالية الأميركية الضخمة التي تشكل نسبة 22% من ميزانية الأمم المتحدة.
وتساهم الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة في ميزانية الأمم المتحدة، وفق معايير محددة، لكن المساهمات المالية الكبيرة في ميزانية 2016 و2017 جاءت من الدول التالية: اليابان بنسبة 9.68%؛ الصين 7.92%؛ ألمانيا 6.38%؛ فرنسا 4.85%؛ بريطانيا 4.46%؛ البرازيل 3.82%؛ إيطاليا 3.74%؛ روسيا 3.08%، وكندا 2.92%.
إجمالاً، تشكل المساهمات المالية لعشر دول نسبة 68.85% من ميزانية الأمم المتحدة، ولا تشمل نفقات عمليات حفظ السلام التي تبلغ ميزانيتها السنوية 7.5 مليارات دولار، ولا الأموال المخصصة لتشغيل الوكالات الكبرى للمنظمة الدولية مثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وبرنامج الغذاء العالمي، وتمول هذه الوكالات مساهمات طوعية. بل تشمل أجور الموظفين في مقر المنظمة الدولية في نيويورك ومكاتبها الرئيسة وأنشطتها.
وبلغت ميزانية الأمم المتحدة 5.5 مليارات دولار للعامين 2014 و2015، أي أقل بخمسين مليون دولار عن العامين 2012 و2013. أما ميزانية العامين 2016 و2017 فقدر حجمها الأساسي بنحو 5.4 مليارات دولار أميركي. وهذا بعد أن أقرتها الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وافقت على خفض كل من النفقات، وعدد الموظفين في مقر المنظمة الدولية في نيويورك، وعلى إجراءات تقشفية، منها: إلغاء 221 وظيفة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لا فائدة منها أو الفائضة، أو التي عفا عليها الزمن. وعدم زيادة أجور أكثر من عشرة آلاف موظف في نيويورك أيضا.
وتعاني الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسة من حالة ترهل ومشكلات مالية وإدارية تشوبها بعض حالات الفساد التي تستغلها الدول ذات المساهمات المالية الكبيرة كالولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي للتحكم بسير وعمل المنظمة الدولية وأمانتها العامة. والمطالبة بإجراء إصلاح إداري وانضباط مالي حقيقي مما يتيح للأمم المتحدة قوة وكفاءة وفاعلية.
وبطبيعة الحال، واستناداً إلى أن ميثاق الأمم المتحدة حدد مقاصدها في التالي: حفظ السلم والأمن الدولي، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء. فإن الفعالية الأساسية للأمم المتحدة هي فعالية سياسية وكذلك قوتها.
وفي هذا المجال ثمة عجز كبير يجعل الأمم المتحدة غير فعّالة على صعيد حل النزاعات العالمية والأزمات الكبيرة كالأزمة السورية، وإخفاقات متعددة في فروع أخرى مثل انتشار الكوليرا في هاييتي خلال عمليات الإنقاذ من الهزات الأرضية، والاستجابة البطيئة للإيبولا في غرب إفريقيا، وعدم معالجة أزمة اللاجئين إلى أوروبا.
كما أن نجاحات الأمم المتحدة كانت قليلة ومتباعدة. ومعظم الوساطات من أجل السلام أنجزتها أطراف أخرى، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فضلاً عن وصفها بأنها منظمة غير مستقلة، عملت الولايات المتحدة الأميركية على "أمركتها" من خلال ابتزازها مالياً والتأخير المتعمد في تسديد مساهمتها المالية المستحقة سنوياً إلى الأمم المتحدة.
ومما لاشك فيه أن الخطوة الأولى نحو تفعيل الدور السياسي للأمم المتحدة تتمثل في استقلالها المالي، وأن تمتلك قوتها الأمنية الخاصة ثانياً، ويجب على الأمم المتحدة أن تكون فكرة آن أوان تأكيد مصداقيتها، وليست شاهداً يكتفي بالتعبير عن أسفه وإدانته وقلقه من النتائج المروعة لأزمات كبيرة تهدد السلم والأمن الدوليين، وتطيح بالأعراف والقوانين الدولية.