لا نستطيع أن نحدد إن كان الأسبوع الماضي أليما، أم الذي قبله أم الذي قبله، فكل خبر مُريع نستيقظ عليه، يفجعنا بألم جديد. فقضايا العنف أصبحت لا تتسارع فقط، بل خرجت عن الضرب والتعنيف، للقتل والذبح والطعن، الله المستعان.
ومنذ انتشار مقطع تعنيف الرضيعة دارين، ونحن نحبس أنفاسنا، ونبتهل إلى الله، أن يسخر لها الجهات الأمنية، للقبض على عديم الرجولة، الذي شاهدناه كيف كان يستقوي على الرضيعة بيده وسيجارته، وقلوبنا تنعصر على ضعفها وعجزنا. فكان بين خروج المقاطع، وتجاوب المتحدث الرسمي لوزارة العمل، ساعات معدودة، مرت فيها على ذاكرتنا صورة شجون، وأحمد ولمى ويارا وغيرهم، الذين قتلوا على يد أقاربهم، خائفين من احتمالية تكرر المأساة. فلا يوجد موقف مخز يعذب مجتمعا بأكمله، أكثر من أن يفشل جهاز رسمي في إنقاذ طفل.
وعلى الرغم من الاستياء الذي يشعر به كثير من المواطنين، وأنا واحدة منهم، ضد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بسبب تدني مستوى الخدمات التي تقدمها، والكارثة الوطنية التي تسببت فيها حين أخرجت بنودا ظالمة، كشفت خضوعها لقوانين المنشآت الكبيرة. ومحاباتها لكبار التجار الأثرياء والنافذين، وتجاهلها لمشاكل البطالة والمفصولين والمحرومين من رواتبهم، وعدم تصحيحها للبنود العبثية التي أطلقتها، مثل بند (74-75-76 وأهمها 77)، وغيرها من القضايا العمالية العالقة، إلا أنني أعترف هنا، وأوثق هذا الاعتراف بأن سرعة تفاعلهم مع قضية دارين، أثلج صدر المجتمع، وأطفأ وخز العجز، الذي كان يشعر به المتابعون للقضية. ولم يمح الغضب الشعبي ضد والد الرضيعة. فأي قضية اجتماعية يكون أحد أقطابها الطفل، تتحول لقضية رأي عام، وتصبح من شأن كل فرد في المجتمع، الذي يتابع بحرص، أداء الجهات المختصة، ويختبر مدى مرونة وفاعلية نظام، مثل "نظام الحماية من الإيذاء" في هذه القضية. وأجد نفسي ملزمة بتقديم الشكر لوزارة العمل على أدائها لواجبها هذه المرة، بالتجاوب السريع للوصول إلى الطفلة والاطمئنان عليها.
ولا أنكر بأن الكثير شعر بالارتياح، بعد أن شاهد مقطع ممثلي وزارة العمل مع الطفلة، ولكن الأمر المزعج في المقطع وأثار عدة تساؤلات، من الذي صور المقطع، إذ لا يمكن أن يكون من أفراد الأسرة. فنبرة الثقة في صوته تدل على أنه أحد ممثلي الوزارة. والسؤال كيف حكم على أن الطفلة بخير، و"سليمة وما فيها شيء"، قبل أن تتم معاينتها طبيا، وبماذا كان يفكر المصور، حين قال إن الرضيعة في بيت جدها، ومعها مربية شخصية، ولا عليها خلاف، وملايين كانوا قد شاهدوا مقطع تعذيبها. وما الهدف من تصويره لبيت الجد، وما الرسالة التي كان يريد توصيلها بالضبط؟
والأمر الآخر، الذي أتمنى أن تأخذه الوزارة بعين الاعتبار، نريد أن نعرف هل فروع التنمية في المناطق تتبع نفس الآلية والإجراءات، في التجاوب مع بلاغات العنف، وكيف يتم تسجيل محاضر العنف، بطريقة ودية، أم رسمية، لأن الوضع الذي ظهر به ممثلو الوزارة في المقطع، كان يبدو لي كزيارة جيران، وليس رسميا بما يكفي، ليعكس مهنية الوزارة. حيث تعمد الجميع، بالتصوير مع الطفلة، في منزل جدها وفي الحضانة الخيرية التي ترعاها، بطريقة مبالغ بها، دون أن تحظى بدقيقة في أحضان والدتها!
استضعاف المرأة، طفلة أكانت أم بالغة، جريمة تمارس كل يوم ضدها حول العالم، ولكن الدول المتقدمة، التي تعي أجهزتها الحكومية أهمية دورها، تضع أنظمة وقوانين صارمة، لا تقبل التهاون فيها أو التقليل من جرمها. وإذا لم نفعل بالمثل، سيستمر الذكر المختل هنا، بالتجبر والتسلط، واستضعاف الأم والابنة والزوجة والأخت، ليس فقط لأنه تربى على أنها ملك له، بل طالما يعلم بأن النظام ما زال مترددا في الاعتراف بأهلية المرأة الكاملة داخل المجتمع، والتي أنجبته.
ولأن الظروف المحيطة حولنا تغيرت، وأصبحنا نعيش في زمن قاس، أصبحنا بحاجة أكبر لقوانين صلبة ورادعة، لحماية مستقبل هذا المجتمع، وردع تلك الممارسات، التي لم تمنعها الخشية من غضب الله. بل حطمت جميع القيم الإنسانية وحتى الحيوانية. ولن يتحقق هذا دون تعديل نظام الحماية، الذي لم يكن بتلك الصلابة التي نطمح، وما أضعفه أكثر لائحته التنفيذية، التي جاءت على استحياء.
ولعلى أوضح بأن الوزارات الأكثر موثوقية، والتي تحصل خدماتها، على ثقة ورضى المواطن، هي تلك التي تبذل مجهودات ملموسة، لتطوير أدائها بشكل مستمر، فتجدها تبحث دائما عن فرص لتحسين أعمالها، متلمسة جوانب قصورها بالاستثمار في رأي المواطن السلبي لمصلحتها، وتحويله بالتحسين لرأي إيجابي.
ومن نتائج التجربة الماضية للدمج، أرى أنه آن الأوان لفصل وزارة العمل عن التنمية والشؤون الاجتماعية، ليركز كل قطاع على مجال تخصصه، فالمملكة تنمو سكانيا بشكل متسارع أيضا، والعمل بالكاد تستطيع أن تنهي قضايا ومشاكل العمل، وأسوأ ما يحدث الآن، أن تتناول بهذا الأداء غير المرض، شؤون الأسرة، بنفس الرتابة والعقلية القديمة، التي تناولت فيها شؤن العمل. وإلا لماذا أدركت بأن واجبها إنقاذ دارين، وتجاهلت طوال الوقت واجبها تجاه بند 77!