ما سأعرضه الآن ليس نسخا من محادثة في الواتساب، ولا نقلا من حديث متواتر أخبرني به فلان، وحدثني عنه علان، كما أنه ليس حديثا مخلوقا لدحض حجة هناك لا تعجبني، وإنما هو موقف واقعي حديث عايشت جزءا من جوانبه.

قبل أن أذكر ما قالت جارتي، كنا قد تباشرنا الأسبوع الماضي بحصولها على وظيفة، تضمن لها العيش حياة طبيعية في ظل ما نعيشه من بعض الظروف الاقتصادية، خاصة وأنها شبه أرملة، ترعى أطفالها دون دخل، ودون مصروف يساعدها على تحمل الأعباء والمسؤولية، ولكم أن تتخيلوا مدى سوء ورداءة الوضع.

اتصلت بي، كانت تبكي بحرقة، أخبرتني بأن أملها بعد الله بهذه الوظيفة قد تبدد، رغم استحقاقها واستيفائها لشروط الوظيفة، وقبول جهة العمل بسيرتها الذاتية. ولكن لعدم توافر وسيلة النقل لها من منزلها إلى مقر عملها الذي يبعد قرابة الـ30 كيلومترا لم تُقدر لها هذه الوظيفة.

تعاطفت معها، طرحت لها بعض الحلول، قالت لي: بحثت عن سائق جميعهم دون استثناء السعودي والمقيم أسعارهم مبالغ فيها، باختصار وكأنني أنشغل عن حياتي وأذهب لعملي كل يوم وأسخر يومي كله لهذا العمل من أجل أن أقتطع نصف راتبي أو ثلثيه لهذا السائق، كما أن بعضهم يثير الشكوك بتصرفاته وتعليقاته، وسيارته تعج بدخان السجائر وارتفاع صوت الموسيقى يصدح هنا وهناك، ولا أستطيع الاختلاء معه طوال هذه المسافة وحدي، سألتها ماذا عن تطبيقات شركات النقل المنتشرة على الهواتف المحمولة؟

أجابتني أسعارها كانت جنونية جدا إذا ما استثنينا تأخر وصولها لي لبعد مسافتها عني أو صعوبة الوصول إلى موقعي على خارطة التطبيق، وهذا التأخير يخصم من راتبي. أي أنها لم تصرف راتبها كله على هذه المشاوير، بل قد تقترض لتسدد رسوم هذه التطبيقات وكأنها مسؤولة عنها وبحثها عن الوظيفة من أجلها، وليس من أجل حياتها وأطفالها.

في الحقيقة أنا عرفت الطرف الأول في المشكلة، ولكن احترت في تحديد من هو الطرف الآخر خصيم هذه الأنثى المحتاجة؟ هل هم سائقو النقل المستثمرون في حاجات هؤلاء النساء الضعيفات؟ أم أنها أسعار تطبيقات شركات النقل الجنونية؟ أم المجتمع المتعصب لفكرته تجاه قيادة المرأة سيارتها واستقلالها؟ أم عدم وجود تنظيمات تكفل حقوق الطرفين؟ أم عدم وجود رقابة لكل التجاوزات وحالات الاستغلال التي تحدث، سواء مادية أو لفظية أو حتى تحرشات وغيرها؟

بما أن موضوع قيادة المرأة مركون إلى تقبل ورضى المجتمع الذي بالتأكيد لا يعلم عن الحالة التي تمر بها جارتي والكثير الكثير غيرها من النساء السعوديات، المجتمع الذي لا يستوعب المشكلة ولا حتى يهتم لحلها، فقط القيادة مرفوضة ولا نقاش!

ثم إن تطبيقات شركات النقل والتي تعتبرونها حلا للمرأة عوضا عن قيادتها لسيارتها كانت مشكلة أخرى بأسعارها الهائلة.

ما الحل إذاً؟ سؤالي لهذه الفئة من المجتمع التي حلت رفاهيتها وظروفها الميسرة كل قضاياها، وعلقت الحلول الضرورية لأصحاب المعاناة إلى أجل غير مسمى، فقط لأنه لا يتقاطع مع حياتها اليومية على طريقة ماري أنطوانيت في أن من لا يلاقي الخبز بإمكانه أن يأكل البسكويت، ويتغافل عن هذه الأسئلة البديهية: ما الحل لهذه الجارة؟ من المسؤول عن حل مشكلاتها هي ومثيلاتها؟ ومن المحاسب أمام الله عن قضيتها عندما ترفع يديها إلى السماء تطلب الفرج من ربها؟ قد تستكبرون مسمى قضيتها، لنفكر فقط ما الحل لمثل هذه المشكلة؟.

هناك فئة كبيرة من نساء المجتمع من ذوي الدخل المحدود تعيش هذه الأزمة، لذلك وجب علينا إنسانيا قبل أي شيء آخر، ثم درءا لتفاقم هذه الأزمة إيجاد حل مناسب لها، حل يضمن لها الحياة الكريمة الطبيعية. أو نحن المسؤولون عنها أمام الله، لن يعاقبنا الله بسوء ما فعلت الأخريات، لأنهن بكامل حريتهن فعلن ذلك، ولكن سيعاقبنا بأن وقفنا حجر عثرة في طريق رزق هذه الجارة والكثير من مثيلاتها.