تعرّفتُ قبل أيام على المنصة الإلكترونية الحكومية (كلنا أمن)، وذلك خلال متابعتي لعمل أمني حكومي تم توجيهه للأطفال. يُظهِر هذا العمل طفلا في حوالي الثامنة من عمره وهو يقدِّم بلاغا من خلال التطبيق في جهاز الآيباد الخاص به لطلب المساعدة بعد تعرضه ووالده لهجوم بغرض السرقة خلال تواجدهم في محل تجاري. استطاع الطفل التواصل مع الجهات الأمنية من خلال التطبيق وأنقذ الموقف وقام رجال الأمن بشكره على موقفه.
الرسالة رائعة في محتواها وطريقة توصيلها، فهي أولا تستثمر التقنية وهي ما يعرفه أبناؤنا الصغار أكثر منا، إذ إن جيل اليوم من الأطفال أكثر قدرة من البالغين على تحصيل المعلومة من الأجهزة بسرعة وتوظيفها، ولذلك فإن حرصنا على رفع وعيهم في التعامل مع الأجهزة سيؤدي بلا شك لرفع وعي المجتمع بشكل عام. من الملاحظ أيضا أن الطفل يتعلم بشكل جيد من أقرانه، ولذلك فتوجيه الرسالة له من طفل مثله بشكل غير مباشر، كما حصل في المقطع المشار إليه، يجعل وصول الرسالة والتأثر بها أقرب. الجميل جدا في هذا العمل هو توجيه الرسالة التوعوية المختصرة لشريحة الأطفال، وإظهار الطفل بمظهر الشخص القادر على استثمار معرفته الإلكترونية لإيصال المعلومة إلى الجهة المسؤولة، وقدرته على إنقاذ الموقف وتصويره بصورة البطل لأنه شارك في حماية مكتسبات الوطن وأمنه وهو ما يجدر بجميع الجهات ذات الشأن التركيز عليه، فالأطفال هم عدتنا للمستقبل وسيكون من المستحيل تحقيق أهداف النمو المرغوبة في مجتمعنا بدون حماية تفكيرهم من عبث الاستهداف الفكري أو فوضى التسطيح الحاصلة الآن.
إن سهولة الوصول إلى الأطفال من خلال تطبيقات الأجهزة الذكية هذه الأيام سلاح ذو حدين، فمن جهة نستطيع توظيف هذه الأدوات لتزويدهم بالمعلومات النافعة والجديدة والمساهمة الفعالة في تشكيل عاداتهم في هذا العصر والمحافظة على قيمهم وأخلاقهم وتوجيه جهودهم بشكل صحيح، وذلك في حال تواصلنا معهم بطريقة مناسبة وقدّمنا عملا يحترم ذكاءهم ويراعي نموهم الانفعالي والمعرفي. ومن جهة أخرى تعريضهم لهذا السيل المعرفي يستدعي رقابة ذكية في قالب من الثقة، وذلك لكي نضمن ألا يكون غيرنا أسبق للوصول إليهم وغسل أدمغتهم، إما بالدعوة للعنف وانتهاج أسلوب (الدرباوية) البغيض أو توريط هؤلاء الأطفال من خلال مشاركتهم في أنشطة غير أخلاقية، وبالتالي استغلالهم على المدى الطويل من قبل ضعاف النفوس. التحدّي الإلكتروني الآخر هو تنشئة الأطفال على التسطيح وتعويدهم على معالجة الأحداث بطريقة المهرجين. هناك زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يقومون بدور المهرجين في المجتمع، ولا أظن عاقلا يرضيه أن ينشأ طفله مهرجا مهمته إضحاك البشر بمقاطع سخيفة تستغل هيئة الطفل أو لهجته أو عفويته، بل إن من حق أي طفل أن يجد من يحميه حتى من أسرته في حال لم تكن مؤهلة أو قادرة على حمايته.
ولذلك فإن توصيل الرسالة إلى الطفل وتعليمه حقوقه وواجباته وطريقة وصوله للحماية أو المساعدة يجب أن تكون أولوية من أولويات القائمين على شؤون الأطفال في مجتمعنا. شخصيا أعتبر هذا المقطع من التجارب الناجحة للتواصل مع الأطفال، خصوصا أنني اطلعت عليه من خلال ابني الصغير الذي نظر بإعجاب للطفل البطل في المقطع. أتمنى تكثيف هذه المقاطع ونشر المزيد منها في التجمعات التي تشهد وجود الأطفال، كالأسواق وغرف الانتظار في المستشفيات، ولنبدأ من المدارس، فعرض هذا المقطع وما يماثله في الطابور الصباحي سيكون له دور عظيم في انتشار الوعي الأمني والفكري بين الأطفال.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، أود أن أشير إلى تجربة غربية في استهداف الأطفال بالمحتوى التوعوي. قامت إحدى المؤسسات بتصميم لوحات توعوية تعتمد على زاوية النظر لا يمكن للكبار قراءتها من مستوى نظرهم، بينما يستطيع الأطفال كونهم الأقصر قامة قراءتها. محتوى هذه الرسالة بسيط وفعال، إذ يظهر طفلا يحمل رسالة مكتوبة فيها موقع إلكتروني سهل الحفظ ورقم هاتف للتواصل، هذا الإعلان يشجِّع الأطفال الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإيذاء على الإبلاغ عن المؤذي مع ضمان السرية والحماية. ليس هذا فقط بل يشجّع الإعلان كذلك الطفل للتدخل بالإبلاغ في حالة شاهد طفلا آخر أو شخصا بالغا أو حتى حيوانا أليفا في محيطه يتعرض للإيذاء. ينتهي الإعلان بطريقة مؤثرة إذ يقول الطفل في اللوحة "أرجوك أوصل رسالتي فقد لا يراني أحدٌ سواك اليوم، فالكبار لا يرون ما نراه نحن الأطفال، إنهم حتى لا يرون هذا الإعلان"، وذلك لتعزيز نشر الوعي بين الشرائح العمرية الصغيرة. أظن تكرار هذه الرسالة يعمل على تنشئة طفل يعرف ويمارس دوره في حماية الأمن، كما يتم كذلك تعزيز نزعة القدرة والمسؤولية المجتمعية في الطفل وهو ما يصعب غرسه في الأشخاص الأكبر سنا.
من النصائح المتداولة (عامل طفلك كما تريده أن يكون وسيكون لك كما تريد)، لكن الأسرة لم تعد تربّي وحدها وما نجاهد في غرسه من قيم قد يضعضعه ساقط واحد بمقطع سخيف وتافه. ولذلك أتمنى على الجهات ذات العلاقة مواجهة الإعلام بالإعلام، وصناعة المزيد من المقاطع ذات المحتوى التوعوي المناسب للأطفال في المحتوى والإخراج، مع المحافظة على جودة الرسالة. ولتحقيق جزء من رسالتنا في توعية أطفالنا نحتاج مقاطع تخاطب أطفالنا بلغتهم كما نريدها أن تكون، لا كما يحاول أن يفرضها بعض التافهين عليهم وعلينا.