الثقافة هي الحضارة وهي لغة الشعوب، ولا يتأتى هذا إلا بالاطلاع على الكتب بصفة عامة والمنشورات والملصقات بصفة خاصة، ويدخل في هذا أيضاً وسائل الإعلام وخاصة المسموع منها، لذا كنا وأنا من هذا الجيل قبل خمسين سنة يصعب علينا الحصول على بعض الكتب في هذا المجال. وكنت وغيري نبحث عن هذه الثقافة بواسطة ما يبسط على الأرضية من كتب ومجلات وخاصة بعد صلاة الجمعة، عندما كان (مسجد عبدالله بن تركي) الوحيد في مدينة الرياض الذي تقام فيه صلاة الجمعة، وبعد الصلاة نتجول ونبحث عن بعض الكتب أياً كان نوعها في (حراج ابن قاسم) الملاصق لهذا المسجد من جهة الشمال، هذا الحراج الذي كان مشهوراً ببيع الخردة القديمة أيا كان شكلها أو نوعها، ومن ضمن الخردة بعض الكتب التي قد يكون صاحبها استغنى عنها أو توفاه الله، فكانت هذه هي وسيلة الحصول على الكتب لمن هم على شاكلتي محدودي الدخل، أما المجلات فكانت هناك مجلة (العربي) التي تصدر من دولة الكويت شهرياً، وأيضاً مجلة (المصور المصرية) أو مجلة طبيبك للثقافة الصحية، وكان هذا الجيل جيل (معرفة وثقافة) حتى انتشرت المكتبات وأصبح فيها المجلات والمطبوعات الأخرى التي يمكن الحصول عليها بسهولة ويسر، ولما كثر القراء والمثقفون وخاصة في عصر تقنية المعلومات عن طريق الأجهزة الذكية بدأ المسؤولون في وزارة الثقافة والإعلام يفكرون في إقامة (المعارض للكتب)، من أجل تعزيز الحضارة بالقراءة والاطلاع، فأقيم معرض أو أكثر في مدينة الرياض وتبع هذا في جدة. ولو أن المسؤولين عن إقامة هذه المعارض يفكرون في إقامتها في بعض مناطق المملكة مثل (الدمام – تبوك – بريدة -... إلخ) حتى تعم الفائدة أكثر للقراء والمثقفين.
فإن معرض الكتاب الذي أقيم مؤخراً في جدة الذي شارك فيه أكثر من ثلاثين دولة وأربعمائة وخمسين ناشرا، واستمر في حدود عشرة أيام، تخللته زيارة أكثر من مليون ونصف المليون زائر رجالاً ونساء، وهؤلاء الناشرون وأغلبهم من خارج الوطن هدفهم الأول هو الربح المادي، حيث إن بعض الكتب لبعض الناشرين سعرها يزيد عن 25 % من سعرها الأصلي في بعض دور نشرنا ومكتباتنا، النقطة الأخرى هي أن أغلب الزائرين حضروا من أجل التسوق والاطلاع دون شراء، من أجل النزهة والترفيه، والدليل على ذلك أن المبيعات من قبل دور النشر انخفضت عما كان قبلها، وبعضها قد تكون مخالفة لنظام المطبوعات، فالأولى من هذا المعرض وما سيأتي من بعده أن تكون هناك شاشات تحوي عناوين هذه الكتب، فمجرد ضغطة زر على العنوان يعطيك الخطوط العريضة لهذا الكتاب وفصوله بدلاً من تصفح الكتب على عجالة، والاطلاع على بعض صفحاته أو وضع منشورات مصغرة بعناوين وفصول الكتاب بطريقة مختصرة، وهذا يعطي الزائر لهذا المعرض فكرة عن محتوى الكتاب الذي يرغب في شرائه، وقد يفضل هذا الزائر أن يحمل هذا المنشور المختصر لمكان إقامته لإتاحة الاطلاع عليه أكثر.
أما بهذه الطريقة التجوالية بين أروقة هذا المعرض فلن تجدي ثمارها لأهداف إقامة مثل هذا المعرض فهذا هو حال معرض جدة بين الواقع والمأمول.