حُسم اللغط الذي أثير مؤخرا حول الأحداث التي حصلت في جامعة الطائف، وتحديدا في أقسام الطالبات في مقري الجامعة، في الحوية والفيصلية. فقد أعلنت الجامعة في بيانها الإلحاقي الصادر في (6 ربيع الآخر 1438)، القرار الذي انتهت إليه اللجنة المشكلة للتحقيق في الأحداث، والذي يقضي بفصل 9 طالبات متورطات في الأحداث فصلا نهائيا، وفصل أخريات مددًا متفاوتة.

الغريب في بيان جامعة الطائف -الذي نشرته أخيرا في حساباتها على مواقع التواصل وعلى الوسم المخصص للقضية- أنه لم يتضمن أي إشارة إلى اتخاذ الجامعة خطوات تربوية لعلاج سلوكيات الطالبات، ولا حتى ما يشير إلى إخضاع الطالبات المتورطات للعلاج النفسي والسلوكي.

قرار الجامعة هذا كان صادما ومخيبا لآمال التربويين الذين يظنون مثلي أن علاج المخالفات السلوكية للطلاب أهم وأولى من التعجل بإقرار العقوبات عليهم، خاصة أن الجميع يعلم أن تقويم سلوك الطلاب أحد أهم الأهداف التربوية التي تقرها وزارة التعليم.

لكن المسؤولين في جامعة الطائف يرون -من موقع المسؤولية- أنه ما دامت المخالفة التي قامت بها الطالبات قد عدّت مخالفة لقيم المجتمع الإسلامي وللسلوك الاجتماعي القويم ولنظام المؤسسة الأكاديمية، فإن الفصل من الجامعة هو القرار الصائب، خاصة أنه قرار يتناسب مع ما أقرته اللائحة التأديبية للطلاب في الجامعة.

لكن اللجنة في قرارها هذا تتجاهل الجانبين التربوي والإنساني للقضية، وهما جانبان جوهريان، وإن كانت اللوائح التأديبية لا توليهما اهتماما كافيا. فمن الناحية التربوية لا بد من طرح هذا السؤال: ما الغاية التربوية التي يحققها قرار اللجنة التأديبية؟

واقعيا يفترض أن الغاية هي تقويم سلوك الطالبات وتأديبهن، وعند ذاك يأتي البحث في أنجع الخيارات لعلاج المشكلة، ومنها إلزام الطالبات المخالفات بالعمل في الجامعة، أو في الخدمات المجتمعية المتعلقة بتخصصاتهن فترة من الزمن خارجها، وجعل التقارير الإيجابية الصادرة من الجهة التي يعملن فيها شرطا لعودتهن إلى الجامعة مجددا. هنا تكون العقوبة قد أدت وظيفتها التربوية وحققت ما هو أولى من مجرد العقاب.

ومن الناحية الإنسانية أيضا لا بد من النظر لهذه الحادثة على أنها بمنزلة الإنذار بأخطار أكبر تنطوي عليها البيئات الأكاديمية في جامعاتنا. فالحادثة تؤكد الحاجة الماسة إلى العناية بالجوانب النفسية والعاطفية والسلوكية في مقررات التعليم العالي التي هي -ومن واقع الممارسة- جافة خالية إلا من المعلومات، ما يجعل الطالب -منذ أن يلتحق بتخصص ما- يلهث كالآلة التي لا تتوقف، يتنقل بين مقررات تعليمية متخصصة جدا، لا تراعى فيها احتياجاته النفسية والعاطفية. ومعروف أن الطالب حين ذاك يكون قد انتقل من بيته الصغير (المدرسة) الذي ظل بين جدرانه 12 عاما.

هناك في المدرسة يكون الطالب قد ألف حجرة المرشد، وارتاحت نفسه لبعض معلميه، يقصدهم عندما تلم به ضائقة فيجد النصح والعون. لكنه بمجرد الدخول إلى الجامعة يفتقد ذلك كله، فتتشعب به الطرق، ويتسع أمامه الفضاء، وتزداد المسؤوليات والأعباء التي يعد بعضها تحديا كبيرا له.

وفي مجتمعات الطالبات خاصة يصبح تأثير المسؤوليات والأعباء الجامعية أكبر، لأن الفتاة عندنا نتاج بيئة محافظة لا تتحمل فيها المرأة كثيرا من المسؤوليات، ولا تتاح لها فرص التفريغ عن كثير من انفعالاتها المكبوتة، ما يجعل تأثير البيئة الأكاديمية الجافة عليها أسرع وأقوى.

هذا يعني أن قرار الفصل نهائيا في حق الطالبات المخالفات في حادثة جامعة الطائف يحتاج إلى إعادة نظر، إذا كنا نتفق على أن الهدفين التربوي والهدف السلوكي يتفوقان بنسبة 2 على 1 على الهدف التعليمي الأكاديمي. عليه فإن الفصل لا بد أن يكون لغاية التأديب، بحيث يقتصر على مدة محددة تقرها اللجنة، يجري خلالها إخضاع الطالبات للعلاج النفسي والسلوكي تمهيدا لعودتهن إلى الجامعة.

إن اعتماد قرار الفصل النهائي من الجامعة سيترك الطالبات عرضة للضياع، ويجعل خطرهن على المجتمع وعلى أنفسهن أكبر.