حين تنصل الشاعر محمد الثبيتي من مصطلح "الثبيتية" قبل ربع قرن، وعد -متواضعا- القول بذلك ضرب من المبالغة قائلا: "أنا شخصيا لم ألمس مثل هذا التأثير، ولو وجد عند بعض الشباب فلن يتعدى كونه مسألة آنية سرعان ما تختفي".
لم يكن يعرف -رحمه الله- أن الأمر سيتحقق لاحقا، وفقا للدراسة "شعرية التناص.. أثر الشاعر محمد الثبيتي في الشعر السعودي" التي فاز بها الدكتور محمد ولد متالي من موريتانيا في فرع الدراسات النقدية لجائزة الشاعر محمد الثبيتي للإبداع في دورتها الثالثة، والتي تزدهي مدينة الطائف بتتويج الفائزين بها، بالإضافة إلى الشاعر البحريني قاسم حداد، والشاعر السعودي محمد إبراهيم يعقوب" مساء اليوم، في كرنفال ينظمه أدبي الطائف ويستضيفه فرع جمعية الثقافة والفنون.
ليلة تكريم مرعبة
في عام 1990 فاز ديوان "التضاريس" للثبيتي بجائزة الإبداع بنادي جدة الأدبي وقيمتها 10 آلاف ريال، تردد أنه لم يتسلمها حتى وفاته -رحمه الله- في 2011، بسبب اللغط الذي أحدثه مناوئو القصيدة الحديثة ليلة تكريمه في ديسمبر من عام 1990، وهي تلك الليلة التي وصفها الدكتور علي البطل "1941 - 1997"، الذي كان يدرس بجامعة الملك عبدالعزيز حينها، في كتابه "الأداء الأسطوري في الشعر المعاصر- تطبيق على شعر محمد الثبيتي"، بقوله "لقد شهدت ليلة كاد فريق من الناس -حسني النية، ولكنهم مخطئون في التقدير- أن يقتلوا محمد الثبيتي، لأنهم لا يفهمون شعره، فاتهموه بالتجديف، ومن السخرية أن هذه الليلة -بالتحديد- كانت لتكريم محمد الثبيتي، ومن السخرية الأكثر سواداً، أن محمد الثبيتي يعلن -بالفن- حلمه بعودة الأمة التي بنت مجدها على الفعل/ الفتح، لا على التراخي، ونظن أن هذا -نفسه- هو حلم المتعطشين إلى دمه، ولكنهم لا يريدون أن يدركوا ما يقول، نتيجة الرغبة في ممارسة سلطة لم يجعل الله لهم إليها سبيلا".
دعوة لقتل الشعراء
في اعتماده "النقد الأسطوري" لقراءة الثبيتي رأى البطل أن "محمد الثبيتي شاعر أطلال الماضي، إلا أن قضيته التي يعيشها -لا في شعر فحسب، بل في وجدانه الفردي الشديد الخصوصية، الكامن في لاوعيه وفي حياته الواعية كذلك- هي قضية البابلي، التاريخ العربي، الذي كان مشرقا بالنبوءات والحضارات والفتوح، والذي يعيش حاضرا مهينا على الأصعدة كلها، وفي البقاع العربية كافة". بكى "علي البطل" الثبيتي منذ ربع قرن، وهو يعلن "إن محمد الثبيتي يؤذن بحي على إعادة مجد الماضي"، وهو أمر ثقيل ثقيل، عسير عسير، فليحاول القدماء قتل بلال، ولتحاولوا قتل الثبيتي، فالأذان بالحق مسؤولية جسيمة لا يؤديها إلا الشهداء. ولكن قبل -قتل الثبيتي- تذكروا أن تقتلوا كل ما في تاريخ أمتنا من مجد وصدق وشجاعة، فهو التراث الذي يحمله كل الشعراء ليذكروكم به، بل لم لا تقتلون كل الشعراء، فنستريح!. ذلك لأننا ولأنكم لا تستطيعون -ولا نستطيع- قتل مهانة الحاضر الدميم".
تأصيل الثبيتية
إذا كان محمد الثبيتي قد رفض مصطلح "الثبيتية" خلال حياته، مطلع التسعينيات، إلا أن عددا من الشعراء الشبان الصاعدين الذين أهداهم الثبيتي الفوز، أكدوها وقتها، فهاشم الجحدلي عد نتاجه "إنجازا هائلا للقصيدة"، وقال إبراهيم زولي "ما كان الثبيتي نبتة خرافية"، ووصفه علي الأمير بأنه "يشاركنا البهجة ويترك جزر الصمت"، بينما يقول الناقد محمد العباس في كتابة له "من مرادات جائزة الشاعر محمد الثبيتي للإبداع، توطين الثبيتي في الوجدان الشعبي بموجب رصيده الإنساني والشعري، من خلال إعادة ترتيل قصائده وموضعة منجزه في حقل الدراسة، فهو مشروع قراءة دائمة باختلاف المناسبات والأدوات والوسائل وتعاقب الأجيال، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تأصيل (الثبيتية) كمدرسة شعرية قابلة للتوطين في المشهد الثقافي والحياتي".
ويذهب العباس إلى أن "للثبيتي بصمة شعرية برزت ملامحها حتى قبل وفاته، وصارت تتوضح وتفرض سطوتها مع تراكم القراءات والدراسات المهتمة بشعره. بمعنى أن الثبيتية أصبحت مدرسة لها أركانها في المشهد الثقافي. وربما لهذا السبب اختارت الأمانة العامة للدورة الثالثة عنوانا بحثيا يتعلق بأثر الثبيتي الشعري في معاصريه من الشعراء، وهو البحث الذي يكرم عليه مساء اليوم ولد متالي فائزا به في فرع الدراسات النقدية المتعلقة بشعر الثبيتي".