كل الأميركيين الذين حازوا على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، هم في الأصل مهاجرون من دول أخرى. شركات مثل Apple, Google, Yahoo هم أمثلة أخرى لقدرة المهاجرين وأبنائهم على العطاء والمساهمة في نماء الدول.
يبدو أن حكومتنا تعي ذلك، إذ تعكف على إعداد نظام الإقامة الدائمة، على غرار نظام "Green Card" الأميركي، والذي يكفل حق العمل والإقامة الدائمة طبقا لتصريح سمو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
أعتقد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وأدعم رأيي عبر تفنيد الأسباب التي يتبناها معارضو ملف الإقامة الدائمة والتجنيس.
فمن الناحية الاجتماعية الثقافية، يرى البعض أن منح الإقامة الدائمة (أو التجنيس) قد يعمل على تغيير التركيبة السكانية، وبالتالي العادات والطبائع. مثلا، يتداول البعض موضوع تغيير الهوية، وكيف ساهمت الهجرات السابقة في "فقدان" جزء من هوية بعض مناطق المملكة التي كانت محطة للهجرة. وأظن أن هوية هذه المناطق كانت وما زالت وستبقى عربية إسلامية، وأن جُل من هاجر وأبناؤهم كانوا قد اعتنقوا معظم مبادئ الهوية الوطنية العربية الإسلامية. كما أنه من جمال هويتنا أنها لا تشترط أن تكون من عرق ما لتكتسبها بقدر ارتكازها على اللغة ومجموعة القيم والمبادئ المستمدة من الدين الإسلامي وتاريخ المملكة.
وربما يتفق معي القارئ، في أن حفظ ثقافة ما، لا يتحقق بانغلاقها وحمايتها من التعرّض والامتزاج بثقافات أخرى. فلا يحفظ الثقافة إلا رونقها لأصحابها ومستقبليها، ولا يمكن إجبار الناس على اعتناقها. ولذلك فإن حفظنا لثقافتنا لا يتحقق في ظني بانغلاقنا على أنفسنا، بل عبر إبرازها وتحديثها. كما أن طبيعة الهوية الوطنية، لا تمنع التنوع الثقافي عندما لا يتعارض مع قيمنا ومبادئنا الراسخة. فوجود فن المزمار، لا يلغي العرضة، وإن كان قد قدم من إفريقيا!
ثم إنه بالإمكان معالجة هذا القلق، عبر تقنين برامج الإقامة الدائمة والتجنيس على من نعتقد أنهم يشاركوننا هذه المبادئ، واشتراط بقاء الفرد في البلاد لمدة تكفل له تحقيق الاندماج في النسيج الاجتماعي قبل منحه حق الإقامة الدائمة أو حتى الجنسية.
أما الاعتراض الاقتصادي فمصدره القلق من أن يشكل المهاجرون ضغطا على موارد الدولة في ظل نُظم الدعم الحالية. فالحصول على الجنسية السعودية، ترافقه فُرص التعليم والعلاج المجاني، بالإضافة إلى برامج القروض الميسرة والضمان الاجتماعي. إلا أنه من الممكن حصر التجنيس على الأفراد الذين تتجاوز قيمتهم المضافة إجمالي قيمة برامج الدعم. فعلى سبيل المثال، تتكلف الدولة ملايين الريالات لتدريب طبيب ليصل إلى مرتبة استشاري، ومن المرجح أن تتجاوز القيمة المضافة للاستشاري الأجنبي تكلفة منفعته من برامج الدعم الوطنية إذا ما تم تجنيسه.
فيما يأتي القلق الاقتصادي الآخر من منافسة المواطنين على الوظائف بسبب قبول الأجنبي لمرتب منخفض. وبالرغم من رجاحة هذا الرأي، إلا أن الدراسات تشير إلى أن أثره محدود على المدى القصير. كما يمكن تجاوز هذا الأثر عبر تقنين مسارات الإقامة والتجنيس على من سيعملون في وظائف يقل فيها إقبال السعوديين.
أدبيات اقتصاديات الهجرة تشير بوضوح إلى المكاسب الاقتصادية على المدى الطويل بالرغم من التبعات السلبية قصيرة الأجل، حتى فيما يتعلق باستحداث الوظائف، والشواهد كثيرة. ففي عام 1992، هاجر إلون ماسك إلى الولايات المتحدة بعمر 19 عاما لدراسة الدكتوراه، ولم يحصل على الجنسية الأميركية إلا في عام 2002. حتى الآن، تشير التقارير إلى أن مشاريعه التجارية قد أوجدت أكثر من 35 ألف وظيفة.
أما الاعتراض الأمني، فسببه ما يتداوله البعض من كثرة الجرائم. مثلا، تُتهم إحدى الجاليات في المملكة بأنها مصدر للكثير من الجرائم. والسؤال، هل الجريمة جزء من جينات هذه الجالية، أم أن البيئة الاجتماعية والاقتصادية قادتهم إلى ذلك؟ أليس من الممكن تحويل هذه الجالية وغيرها إلى الإنتاج ودمجها في النسيج الوطني عبر إتاحة فرص التعليم ورفع المستوى المعيشي؟ فيما يمكن تقليص خطر الولاءات الخارجية عبر برامج محكمة للتدقيق الأمني.
إنني على وعي بالآثار الجانبية المصاحبة لتسهيل عملية الإقامة والتجنيس، إلا أن المكاسب التي يمكن تحقيقها من استقطاب الكفاءات الأجنبية تتجاوز الآثار الجانبية بشكل كبير. ولهذا الرأي دليلان، الأبحاث التي أجريت في دول أخرى، وحقيقة أن معظم مهاجري الأمس وأبنائهم هم اليوم خير عون وسند للدولة في مسيرتها التنموية.
وأختم بمثال على برامج التجنيس المبتكرة، حيث قامت بعض الدول مثل كندا وماليزيا بتطبيق "التجنيس عبر الاستثمار"(Citizenship by Investment)، والذي يشترط استثمار مبلغ محدد في أصول محددة، مقابل الحصول على الجنسية. ويهدف إلى استقطاب رأس المال الأجنبي، بالإضافة إلى ضمان أن الحاصل على الجنسية لم يأت ليكون عبئا على البلاد دون المساهمة في نمائها.
هناك فئات كثيرة يمكننا أن نصمم لهم نُظم إقامة وتجنيس تضمن تحقيق المكاسب لطرفي المعادلة غير الصفرية، ومن هذه الفئات على سبيل المثال لا الحصر: المقتدرون من المسلمين الذين يرغبون في قضاء آخر أيامهم بالقرب من الحرمين الشريفين.