تشير تقديرات المحللين الاقتصاديين إلى أن إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد السعودي سينمو هذا العام بنحو 3.5%، بمعنى أن إجمالي ما ينتجه الاقتصاد خلال عام واحد سيزيد بالنسبة المقدرة. المشكلة أن الاقتصاد لن ينعم بهذه الزيادة في إنتاجيته بسبب ارتفاع الأسعار بوتيرة أعلى من نسبة النمو في الناتج المحلي. فالتقديرات لمعدل التضخم لهذا العام تقف عند ما يقارب 5%. فبعد أن وصل معدل التضخم الشهري لمستويات قياسية في شهر أغسطس عند 6.1%، عاد للتراجع بشكل طفيف في الشهر المنصرم إلى 5.8%. هذا التراجع الطفيف لا يعزى بإجماله إلى انخفاض في الأسعار، فبسبب الطريقة التي يحسب بها معدل التضخم الشهري فإن السبب قد يكون ارتفاع الأسعار المفاجئ في الفترة المقارنة من العام الماضي.

ما زالت كل من مجموعتي الغذاء والسكن هما المجموعتين الأكثر تأثيرا في معدل التضخم. ويمكن قسمة نسبة النمو في معدل التضخم مناصفة بين المجموعتين، ولكن على الرغم من ذلك، فمازال بعض المسؤولين يصرون على أن المشكلة خارج نطاق سيطرة المملكة، وأنها مستوردة مع وارداتنا من الأطعمة والمشروبات. وفي تصريح لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، الدكتور محمد الجاسر، فإنه يتوقع تراجع الضغوط التضخمية في الربع الثالث من هذا العام. سبب هذا التراجع المتوقع يكمن في زيادة المعروض في مخزون الأغذية العالمي، بالإضافة إلى زيادة العرض في القطاع العقاري.

لا أعتقد أن تساهم التصريحات الرسمية في تراجع التضخم بشكل مؤثر. فعلى الرغم من أن توقعات وجود تضخم مرتفع في المستقبل تزيد من كمية الاستهلاك الحالي، إلا أن هذه الحالة أقل تأثيرا على سلع مثل الأغذية والسكن، كونها سلعا أساسية قلما يتأثر الطلب عليها بتقلبات الأسعار لقلة بدائلها. بالنسبة لمجموعة السكن والإيجارات، فإن واقع الحال يقول إن الزيادة المتوقعة في المعروض العقاري ليست مساحات سكنية، إنما هي تجارية وبالتالي فإن تأثيرها على المواطن وعلى قوته الشرائية محدود. ولكن إن كانت الإحصاءات تشير إلى زيادة متوقعة في المعروض السكني، فهنا على الحكومة التدخل في هذا القطاع بشكل مباشر. فالطريقة الوحيدة للاحتفاظ بالأسعار على نفس مستوياتها الحالية المرتفعة على الرغم من توقع دخول مساحات جديدة إلى السوق هي وقوع سوق العقارات تحت سيطرة مجموعة من المحتكرين المتنفذين لدرجة تحكمهم في الأسعار بهذا الشكل.

معدلات السيولة هي الأخرى في ارتفاع، والمصارف بدأت بالعودة تدريجيا لمزيد من الإقراض، والدولة مستمرة في إقرار المزيد من المشاريع الضخمة. ولذلك فمن الضروري ابتداع واستخدام وسائل غير تقليدية للسيطرة على التضخم، بحيث تتيح للسياسة النقدية مجالا أوسع للحركة.