يقول المحاضر في علم الحيوان البريطاني "ريتشارد دوكنز"، المدافع عن حقوق الحيوان: "إن ما يفصل في أحقية الحيوان في الرحمة والحماية هو أنه كائن يشعر كما الإنسان تماما"، وفي أثناء تصفحي لوسائل التواصل الاجتماعي، وجدت أن كلامه صحيح فعلا، فحتى أشرس الحيوانات يرق قلبها أحيانا، وتصبح أرق من بعض بني البشر الذين تحجرت أفئدتهم حتى فقدت إنسانيتها.

 رأيت صورا متنوعة تعطي دروسا في الرحمة لنا نحن البشر، فهذا كلب يقف في وسط الشارع بجانب رفيقته التي صدمتها إحدى السيارات، رافضا تركها بمفردها، وذلك نمر يفترس أنثى القرد فتلد وهو يجرها على الأرض فيرق قلبه ويتركها ليرعى وليدها، وتلك قطة تحتضن مجموعة من الكتاكيت مع صغارها، وهذا حصان غضب منه صاحبه من البشر لعدم إحرازه تقدما في مسابقة الخيول فيمنع عنه الغذاء، وإذا بحصان آخر يستغني عن طعامه ويطعمه لصديقه الجائع.

من المؤسف جدا أن أورد هذه المقدمة حتى أدخل في صلب الموضوع، وهو عن حادثة ضحايا الهجوم الإرهابي في إسطنبول، في الحقيقة تابعت وسائل التواصل الاجتماعي ويا ليتني لم أتابع، كانت الأسئلة والتعليقات كالتالي: هل يصح أن نطلق عليهم شهداء؟ أم ضحايا؟ أم قتلى؟ هل كانوا في مطعم؟ أم في ملهى؟ هذه الأسئلة تعكس في واقعها ثقافة التسطيح التي تعيشها مجتمعاتنا، وكأن هؤلاء المعلقين يمتلكون يقينية الوصاية على الجنة والنار . إنني أتساءل: كيف غابت الإنسانية فينا؟ أين قيم التراحم والتعاطف الإنساني؟ وأين كرامة الإنسان التي أمرنا الله برعايتها؟

 ألا نخجل من أنفسنا، بل أقولها بكل صراحة ووضوح لهؤلاء الشامتين إن بهذه الأسئلة سقطت كل ذرة من إنسانيتكم، ولم يبق لها أي حيز من الوجود سوى جهلكم ووحشيتكم، سبعة شهداء سعوديين مثلٌهم مثل شهداء من ست عشرة جنسية سقطوا ضحايا في إسطنبول، بينهم اللبناني والأردني والتونسي والعراقي والهندي والبلجيكي والكندي والألماني والروسي وغيرهم...

هؤلاء قرروا أن يعيشوا كما يريدون كبشر، وحق الحياة حق إنساني مكفول لهم وأصيل، وقد ولد معهم، وليس من حق أحد، كائنا من كان، أن يمنعهم من حقوقهم  كآدميين، إلا الإرهابي المنتهك لحق الحياة، والذي وضع حدا لحياتهم، وهناك للأسف الشديد إرهابيون آخرون يلاحقونهم ويهاجمونهم حتى بعد وفاتهم، وهذا بمثابة رصاصات توازي الرصاصات التي أطلقت في حق هؤلاء البشر.

 وفي الشأن الإنساني لك حرية الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن تكون مع القاتل فتكون قاتلا مثله، وإما أن تكون مع الضحايا والشهداء فتعبر عن مشاعرك أو تصمت، وهؤلاء في نظري كلهم شهداء الإنسانية، شاء من شاء، وأبى من أبى.

  أخيرا أقول: أنت أيها الإنسان الذي خلعت إنسانيتك، ابق مع نفسك الأمارة بالسوء، فقد شمت في ضحايا سورية، وأنت تشمت في ضحايا إسطنبول، تلك هي الإنسانية التي لا تعيها فهي لا تتجزأ أبدا. رحم الله شهداء إسطنبول.