حيرتنا جماعات الإسلام الراديكالي المهووسة بربط كل صغيرة وكبيرة بالدين، ونموذج الإسلام السياسي، من خلال سعيها الدؤوب لأسلمة وطمس هوية كل شيء يستجد في تاريخ الإنسانية، والتعدي على تراثه العالمي، وهو ما تذهب إليه المعتقدات العميقة داخل هذه التيارات المتلبسة بالإسلام، التي تستميت في سلب الأشياء نكهاتها وتسمياتها، التي تُعرف بها عفويا نسبة إلى أماكنها أو إلى انتماءاتها البيئية، من خلال الانقضاض على كل شيء بنظرة أنانية، لا تعبر عن وعي إنساني بماهية الأشياء وكيفيتها وطبيعتها، دون أن تحاول تقديم منتج يعبر عن فكر وتاريخ وحضارة تتماهى مع الزمن.

في الواقع لا يحتاج الإسلام إلى تقديمه من زاوية البحث في أسلمة كل شيء من حوله، بل أظن أنه بحاجة إلى تقديم تطبيقات اجتماعية وفكرية وثقافية أخلاقية، تؤدي إلى منتج تقني وفكري عال يفرض نفسه أمميا، ويقدمه كخيار مقنع للعالم من خلال الإنجازات العبقرية لأبنائه، لأن الدوران داخل فكرة الأسلمة فقط، هو تعطيل لمبدأ تحريك العقل والتفكير والإبداع.

وحين ترى الجماعات الراديكالية أن ذلك هو أفضل المشاريع المضادة الناجحة، لإيقاف عجلة تأثير مد التغيير العالمي للفكر والاقتصاد والسياسة على المجتمعات العربية، وهو تفكير قد يكون سليما فيما لو كنا نمتلك منتجا صناعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا موازيا، فإنما هي تبحث عن تعويض النقص الذي يعتري واقعها وماضيها معا، وتكشف عما تملكه في الواقع من وهم منجزات تظنها فواتح توقف عندها الزمن والعقل، ولا ينبغي لنا بغيرها مواجهة مد الثقافات العالمية الأممية الأخرى.

وغالبية هذه الجماعات تركز على التحذير الإنشائي المستمر من خلال رفع عقيرتها بالصوت العالي، والمواجهة المعتمدة على إكراه المجتمعات بتطبيق رؤيتها وأفكارها، ولا تفكر في الكيفية كمبدأ أولي يستطيع مجاراة الآخر، ويغلب على تلك الأطروحات الخطابية الإنشائية البالية، جانب التشنج وبث الكراهية، وهي إحدى سمات الجماعات المتطرفة في العالم، وهذا تعبير عن حجم العجز والضعف الذي تشعر به في قرارة نفسها، فقد اختصرت تلك الجماعات الدين ومفاهيمه في الخطب والإنشائيات من على المنابر، وأولت النصوص كما تراه مناسبا لمكاسبها السياسية والفكرية وتوجهاتها، وأصبح مفهوم الجهاد أكثر المفاهيم التي تم الاستيلاء عليها من قبلها، محصورا في القتل والقتال والغزو والسبي والحور العين والجنة، وهو إسقاط متناقض تحت هذا التأويل المبتور، كلف مجتمعاتنا العربية والإسلامية غاليا حتى الآن.

ووقعت بعض المجتمعات الإسلامية فريسة التحذيرات التي تطلقها الجماعات المتأسلمة وبعض المتعاطفين معها، نتيجة ما أضفته من ارتباك على مفهوم (المواجهة) وطرقها، فلجأت طبيعيا إلى تربية البيئة العربية الجافة وثقافاتها، التي تعتمد المواجهة العنيفة أسلوب حياة، من خلال القتال والترهيب بأنواعه كاستراتيجية ردع وحيدة، وهي طريقة توافق البيئة والطبيعة القاسية للمكان.

لذا فمن المهم أن يكون التفكير في مواجهة المتغيرات الصناعية والفكرية والاقتصادية موازيا للزمن، لا أن يكون مجرد ردة فعل مشوهة ومشبوهة، لأن الأمر برمته يعتبر منظومة من المتلازمات، ينبغي التفكير في كيفية تراتبية حدوثها وتطورها ووصولها إلى ما وصلت إليه، والخروج من مأزق نمطية التفكير في الأشياء وماهيتها وقيمتها، من الزاوية الأكثر وضوحا فكريا، لنشعر بالآخر وضرورة التنوع.