مرعب ذلك التقرير الذي قدمته المنظمات الدولية، والتي تشير إلى انقراض لغة كل 14 يوما، أي موت حوالي 25 لغة في السنة، وهو أمر سيؤول إلى انقراض نصف اللغات المتداولة، إذ تشير المعطيات الإحصائية إلى أن حوالي 600 لغة قد أخذت طريقها التدريجي نحو الانقراض، وسيؤول النسق الحالي خلال القرن الحادي والعشرين إلى اندثار ما لا يقل عن 3000 لغة. ولفتت منظمة الأمم المتحدة أنظار العالم إلى هذا الخطر المحدق بالألسنة البشرية، مما دفعها إلى إعلان الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم، كما قررت "أرابيا" التابعة لليونسكو اعتماد اليوم العالمي للغة العربية، كأحد العناصر الأساسية في عملها لكل سنة، جاء هذا في تلك المقاربة الحارقة، والملف اللساني والفلسفي والتاريخي والاجتماعي والأنثروبولوجي، الذي أعدته مجلة "الدوحة" بهذه المناسبة، وأشرف عليه الدكتور "حسين السوداني" الذي استعرض الهواجس والأمن اللغوي، وكيفية تحصين لغتنا العربية في ظل "الحروب اللغوية وموت اللغات"، حيث اعتبر البعض من اللسانيين أن اللغة ظاهرة طبيعية، تنطبق عليها النواميس "تولد ثم تنمو ويشتد عودها، ويعتريها ما يعتري الكائنات الطبيعية من ضعف وقوة، ثم تكبر فتهرم وتتداعى للاندثار والتلاشي والموت"، ولكن "سوسير" أحل الحتمية التاريخية محل الحتمية الطبيعية، في المنوال التفسيري والقرار البشري، من حيث القدرة على تحويل مسارات اللغة والتحكم فيها، إبطاء وتسريعا، وإماتة وإحياء، وضرب مثالا على ذلك باللغة "العبرية" التي تقرر إحياؤها لتكون لسان "إسرائيل"، اللغة هوية وحوض جامع للمعرفة الإنسانية ووعاء للثقافة المحلية، وذاكرة للشعوب، كما يقول الدكتور "السوداني"، ولذا يبدو أن ثمن "الحداثة" هو "التخلي عن المعنى الرومانسي للغة الأم، والانخراط في اللغة "الكولونيالية" أي الإنجليزية المعولمة، وبعض اللغات التي تشاركها مثل الفرنسية والإسبانية، وهو جزء من جملة التهديدات التي بنى عليها الغرب استراتيجية الاستيلاء الميتافيزيقي على العالم، وتحويله إلى موضوع أخرس للتملك والسيطرة التقنية، والقذف به في أتون استعمال لساني بلا لغة أصيلة، عندئذ سوف ينقطع شيئا فشيئا عن ذاكرته العميقة"، وقد شهدت الإنسانية على مدى ما يقرب من خمسة آلاف عام، لغات مكتوبة، بلغات سامية منحدرة من نسل "سام بن نوح"، رغم أن تسمية اللغات السامية لا تتسم بالدقة والعلمية واللغوية، ولكن عالم الآثار العراقي "طه باقر" سماها اللغات "الجزرية" نسبة إلى "الجزيرة العربية" وهي "الأكادية، والآرامية، والعربية" وقد ماتت الأكادية، وانحسرت الآرامية، وبقيت العربية حية دون أن تفقد بريقها، كما يقول الدكتور"عادل الجادر"، لأنها لغة "القرآن الكريم" والله حافظها.