وعي سعودي أخلاقي مدني "وسام". كان هذا هو مسمى مبادرة انطلقت فكرتها من عضو فاعل في ملتقى إعلامي يحمل هاجس حماية الوطن وأفراده من تبعات الفضاء الرقمي السلبية، والعمل على توجيهه بدلا من مواجهته.
فكرة بسيطة تحولت إلى مشروع كبير في نظر القائمين عليه، تولد عنه عمل دؤوب لكيفية انطلاقه، ليرى النور عبر تدشين ندوة لتعزيز أخلاقيات التعامل مع العالم الرقمي.
فريق عمل يتقد حماسة لعمل توعوي عبر منصات الإعلام، شكّل ركنا أساسيا للندوة بمباركة الجهات الأمنية، خلال حضور مميز لمدير مركز مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية، ومشاركة ضيوف الندوة، بينما الركن الثالث الذي احتوى الندوة كان مركز اليونيسكو الإقليمي بالرياض.
تعودنا الرتابة في الملتقيات التقليدية واقتصارها على عقد اللقاءات والمناسبات، وتكوين العلاقات دون مشاريع عملية تخدم الوطن والمواطن، غير أن الملتقى المذكور، والذي ينبغي أن تكون عليه الملتقيات المدنية، مختلف تماما.
تتسم المجموعة بالفاعلية القصوى في شحذ الأفكار وخلق جو عالٍ من العصف الذهني بين الأعضاء، واهتبال سنوح الفكرة اللماحة، ونقلها من إطارها الفردي إلى عالم الجماعية وتوظيفها قدر المستطاع.
نحن تحت وابل منهمر من الفضاء على رؤوس المتلقين، فيه من الخير الكثير والشر القليل، غير أن هناك عقولا صلدة أمام الخير مهما كثر، لينة مطواعة للشر مهما قل.
المهمة ليست بالسهلة مهما بسطناها وأكثرنا فيها الحديث، لأنها تتعلق بجانب الفكر، مما يتطلب من الجميع عملا متواصلا وجهودا متضافرة، للتوعية بأهمية استثمار إيجابيات هذا الوابل الزلال قبل أن يكون علقما يتفشى ليفتك بالأخلاق والمثل والأمن الوطني.
التحول التقني تغلغل في مفاصل حياتنا، حتى أصبح ملازما لأنفاسنا ونبض قلوبنا، مما يجعله مهيمنا على الفكر والسلوك أكثر من عشرات المحاضرات ومئات الندوات وألوف الخطب، وأكثر تأثيرا على الفرد من المنظمات.
ولئن بلغنا شأوا كبيرا في تكوين قوات عسكرية نفاخر بها لمواجهة المنظمات الإرهابية والأنظمة العدائية، فإنه لا يقل شأنا العمل على تكوين قوات إلكترونية لمواجهة المخاطر التقنية التي برع الأعداء في استغلالها.
إن وعي النخب الوطنية من رواد الثقافة والإعلاميين وكتاب الرأي والمهتمين بالتقنية، هو الخط الرادع المعرفي الموازي للقوات العسكرية الرادعة، بل قد يكون أهم حين يعمل على تجنيب المجتمع والجيوش، المواجهات الميدانية قبل حدوثها.
الفضاء الإلكتروني ليس شرا كله كما أسلفنا، بل هو من النعم على الخلق أجمعين، إذ مكّننا من تحصيل علوم ومعارف وتواصل، لم يكن الإنسان يحلم بها فضلا عن تصورها.
اللافت، أننا من أكثر الشعوب تعاطيا مع هذا الهطل الفضائي، خصوصا فيما يتعلق بالتسلية والمواقع الاجتماعية، خلال الجيل الجديد المبدع في التقنية، وكما يقول البروفيسور عبدالله الفوزان "أصغر منك بسنة أعلم منك بخمسين سنة"، مما شكل فجوة رقمية بين الأجيال تستدعي ردمها بزيادة الوعي عند الوالدين.
توعية الجيل الجديد، خاصة الأحداث، ينبغي أن تكون بالحديث الشفاف عن الإيجابيات والسلبيات، لأن المعرفة اليوم أصبحت ديمقراطية بعكس الدكتاتورية المعرفية في السابق، والتي كانت تفرض خلال المدرسة والأفراد المحيطين بالناشئة، وفق تعبير أحدهم.