لم يكن تأسيس ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بـ"تنظيم داعش"، متعمدا من الولايات المتحدة، لكنه جاء نتيجة عثراتها وعدم كفاءتها خلال احتلالها العراق، وفشل إستراتيجيتها بشكل عام في المنطقة.
قبل غزو أميركا للعراق عام 2003، لم تكن هناك جماعات إسلامية مُسلحة مثل تنظيم داعش في العراق، لكن بعد نجاحها في إزالة صدام حسين من السُلطة والقضاء عليه تماما، فشلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) في إصدار القرارات اللازمة لتأمين ممتلكات البلاد، مما أدى إلى نهب واسع النطاق، وانهيار اجتماعي سريع، في غياب توافر الحد الأدنى من الأمن.
فكَّر عباقرة سلطة الائتلاف العسكري المؤقتة المسؤولة عن إدارة العراق، في حل الجيش العراقي، الأمر الذي جعل مئات الآلاف من الشباب المدججين بالسلاح يشعرون بأنفسهم أحرارا دون هدف أو عمل يقومون به، وبالتالي أصبحوا هائمين في الشوارع خارج نطاق السيطرة.
وتلت تلك الخطوة عملية تطهير لعناصر حزب البعث العراقي، وإبعاد الآلاف من التكنوقراطيين والبيروقراطيين الذين كانوا يتولون عمل الحكومة الروتيني، مما دمّر قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وإزالة القمامة، أو توفير الحد الأدنى من السلامة، اللازم لإبقاء المدارس مفتوحة.
وغني عن القول، إنه لم يمض وقت طويل حتى شهد العراق انهيارا كاملا للقانون والنظام، مما أدى إلى ظهور سلسلة من حركات التمرد في مختلف أنحاء البلاد، تلتها موجات عارمة من الاعتقالات العشوائية التي طالت الأعداء، ومن هم في عداد الأصدقاء على حد سواء.
وانتشرت الحواجز العسكرية في أنحاء البلاد التي يحرسها جنود أميركيون يطلقون النار دون اكتراث على سيارات مدنية مليئة بالأبرياء، كما انتشرت ظاهرة إطلاق النار العشوائي، وسادت حالة من سوء المعاملة لدرجة اقتراف المجازر دون رادع أو خوف من عقاب، الأمر الذي زاد من صب الزيت على النار.
ثم بدأت الحركات المتمردة في استقطاب المقاتلين الإسلاميين الأجانب من جميع أنحاء العالم، لما سمي بـ"الجهاد" في العراق، الأمر الذي لم يحدث في عقود من حكم صدام حسين، إلا أنه حدث في غضون أشهر، في ظل حكم الولايات المتحدة للبلاد.
وحتى تنظيم القاعدة الذي لم يكن له وجود مسبق في العراق، فتح له مكتبا فرعيا، سرعان ما أصبح واحدا من أكثر التنظيمات الإرهابية ضراوة وتعطشا للدماء، وبالتالي أصبح يحكم علنا بعض مناطق غرب العراق، وهي المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش لاحقا.
ورغم أن تنظيم القاعدة في العراق واجه هزيمة في نهاية المطاف، إلا أن أعضاءه الباقين على قيد الحياة، مثل أبوبكر البغدادي، سرعان ما سعوا إلى أنشاء تنظيم أسموه "تنظيم الدولة الإسلامية" المعروف بتنظيم داعش، في الوقت الذي انسحبت الولايات المتحدة من العراق، علما بأن الجيش العراقي الجديد الذي دربته الولايات المتحدة سرعان ما خسر أسلحته الأميركية أمام تنظيم داعش.
وباختصار، إن الأميركيين تسببوا في ظهور تنظيم داعش، خلال إستراتيجيتهم الفاشلة في العراق والمنطقة.