شدد خبراء في الشؤون الدينية على ضرورة أن يكون هناك مشروع قومي، بمشاركة عربية إسلامية، يركز على المحتوى الرقمي، بما يضمن التصدي لحملات التشويه المتعمدة التي يتعرض لها الإسلام، سواء من جانب دول أجنبية معادية للإسلام، أو خلال التنظيمات الإرهابية التي باتت تسيطر على المنصات الفضائية والرقمية، لنشر أفكارها الشاذة التي لا تتفق مع الدين الإسلامي.

جاء ذلك، على خلفية التحذيرات التي أطلقها مرصد الأزهر الأسبوع الماضي، من تنامي استغلال التنظيمات الإرهابية للمحتوى الرقمي، بهدف بث الأفكار والفتاوى والتنظيرات الفكرية التي تستهدف نشر أفكار التنظيمات الإرهابية، فضلا عن تجنيد الأطفال خلال تحديث تلك التنظيمات لتطبيق "حروف"، والذي سبق له أن أنشأه على متجر التطبيقات قبل ما يقرب من 6 أشهر، بهدف تسهيل عملية الوصول إلى الأطفال وتجنيدهم، مشددا على "ضرورة تتبع التطبيقات والبرامج التقنية لكل التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، ومحاولة تطويق قدرات هذه التنظيمات إلكترونيا".

 


300 مليون يبحثون عن الإسلام

يقول مقرر لجنة الحوار في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتورعبدالغني هندي لـ"الوطن"، إن مواجهة الخطاب المعادي للإسلام يتطلب وجود مشروع قومي موازٍ يركز على المحتوى الرقمي، بما يضمن خلق بيئة خصبة للرد على تساؤلات الآخرين حول الإسلام، إذ إن هناك أكثر من 300 مليون شخص يرتادون المواقع الرقمية بحثا عن معلومات حول الإسلام، ولا يجدون إجابات سوى خلال المنصات التي تسيطر عليها الجماعات التكفيرية، مما يعني أننا بتنا في حاجة ماسة إلى تطوير الخطاب الديني بما يتوافق مع طبيعة الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم، والإشكال أن الخطاب الحاضر بقوة في مصر الآن هو خطاب الجماعات التكفيرية التي نجحت في امتلاك المنابر الإعلامية، ويجب أن يكون هناك مشروع قومي لحوار إسلامي- إسلامي قبل مخاطبة الآخر.




خطة ممنهجة

تشير أستاذة الفلسفة والعقيدة في جامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، إلى أن "لدى مصر والدول العربية والإسلامية كثير من العلماء القادرين على التفرغ لتجديد الخطاب الديني، وأصبح من الضروري تكاتف الجهود لمواجهة المحتوى الرقمي للتنظيمات التكفيرية والإرهابية، بعدما أصبح المحتوى الرقمي أداة بالغة الأهمية لنشر الدعاية الإرهابية، وتمويل عملياتها، وجمع التبرعات من مناصريها حول العالم، وإصدار الأوامر والتعليمات إلى شباب لم يكونوا ليتواصلوا مع هذه المجموعات لولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي".

وأضافت "لا بد أن تكون هناك خطة ممنهجة تقوم على دراسة المحتوى الرقمي الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية، والتي تعمل على تجنيد الانتحاريين بصورة خاصة من بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و22 سنة، وهو العمر الذي يتصف بالحماس والثورة وأحيانا الاندفاع دون وعي، وعادة ما يجري تحريف تعاليم الدين الإسلامي، وعقد ندوات تعبئة دينية وفقهية يشرح فيها الإرهابيون أفكارهم، وأن يتم الاعتماد على علماء الدين المتخصصين من الدول العربية والإسلامية، فضلا عن الاعتماد على خبراء علم الاجتماع وعلم النفس، بما يضمن توفير منصات رقمية يمكنها مواجهة الفكر بالفكر والمنطق بالمنطق".







نجاح المواجهة

يكشف الباحث المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي محمد غانم، في تصريحات إلى "الوطن"، أن "هناك شركات كبرى نجحت بالفعل في مواجهة المحتوى الرقمي للتنظيمات الإرهابية، ومنها ما قامت به شركة جوجل التي طورت برنامجا جديدا يعرف بـ"Jigsaw"، يستهدف الأفراد الذين لديهم ميول للعنف والرغبة في الانضمام إلى صفوف الإرهابيين، ثم محاولة إقناعهم بطريقة معتدلة للعزوف تماما عن هذه الأفكار المتطرفة، ونجح البرنامج بالفعل في جذب أكثر من 300 ألف مستخدم إلى القنوات المناهضة للتنظيمات الإرهابية".