على ذمة الكهل المدعو التاريخ، إن الطبل آلة قديمة عُرفت منذ 6000 عام قبل الميلاد، إذ كان للطبل منزلة عالية عند السومريين والبابليين، وكان يصنع من خشب (الأرز) تقديرا لأهميته.

ومن المفارقات الطريفة –حسبما يذكره التاريخ– أن من أهم الطبول طبل يسمّى (ليليس)، ومن شروط صناعة هذا الطبل أن يُصنع من (جلد ثور)، ويشترط في هذا الثور أن يكون كاملا لا عيب ولا تشوّه فيه، ولم يعلّق في رقبته نير، وأن يُذبح في مراسم خاصة، ثم يُحرق قلب الثور ويجفف جلده ويُنشر على الهيكل البرونزي للطبل، ويعالج الجلد بالدقيق الناعم والدهن والطيب، وبعد أسبوعين يُعاد الاحتفال، ويُقرع الطبل في احتفالية كبرى مهيبة.

الغريب، أن التاريخ أرّخَ للطبل في كل الحضارات –تقريبا- مثلما أطنب في تفاصيل صناعته، لكنه لم يسجّل اسم طبّال واحد، فهل التاريخ لا يحترم الطبالين، وتخلّص منهم كي لا يشغلونه عن مشروع التدوين، أم أنهم –هم- اختاروا أن (يزفّوا) التاريخ بتطبيلهم، ظنّاً منهم أن التاريخ مغادر وهم الباقون؟!

الموسيقى هي الأخرى تبدو متواطئة على الطبل، فبخلت على صاحب الطبل بمسمّى (عازف)، وفي أحسن الأحوال يسمى (ضارب) تيمنا –ربما- بضارب الودع!

والجمهور هو الآخر بدا مُحبِطاً للطبالين، إذ أصبح ينظر إلى مهنتهم نظرة دونية، وكأن الطبال بمرتبة (إسكافي) الفنون، فالطبالون ما زالوا حائرين يتساءلون عن سبب انزعاج الناس منهم، وما زالوا يستغربون ردة فعل الناس الساخرة من فنهم، فالضربة القوية على الطبل التي تخترق أذنك وتحطّم (طبلة الأذن)، وتتجاوز الأذن الوسطى لتصل إلى المخ بمخالب قطة شرسة على زجاج مصقول، من المفترض أن تبعث فيك التفاؤل والحب، لكن ذائقة الناس (وظنونهم) ساءت، وأصبحوا متشائمين من الطبل والمطبلين، ربما لأن الذهنية العربية ارتبط عندها (الطبل) بالحرب، فقديما كان الضرب على طبل كبير (يسمّى الدمّام في بعض اللهجات) يعني إعلانا للغزو والحرب، وهذا –لعمري- مبرر مقبول لتوجس الناس من الطبل!

يقول لسان العرب: إن الطبل معروف، الذي يضرب به، وهو ذو الوجه الواحد والوجهين، والجمع أطبال وطبول. والطبال: صاحب الطبل، وفعله التطبيل، وحرفته الطبالة، وقد طبل يطبل. والطبلة: شيء من خشب تتخذه النساء، والطبل الربعة للطيب، والطبل سلة الطعام. الجوهري: وطبل الدراهم وغيرها معروف.

ويقول ابن الأعرابي: الطبل الخراج، ومنه قولهم: فلان يحب الطبلية أي يحب دراهم الخراج بلا تعب.

وبعيدا عن ابن الأعرابي وابن منظور، يظل التطبيل فنا قائما له أهله الذين يستميتون في الدفاع عنه، لكنه –طوال تاريخه العريق- لم يجد له مستمعا أو متلقيا يدافع عنه، وسيظل فنا قائما رغم أنف الذائقة الجمعية!