احتج عدد من الأصدقاء والمتابعين منتصف الأسبوع الجاري على تغريدة نشرتها عبر حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، حملت في مضمونها انتقادا عاما لطريقة تعامل كثير من الإعلاميات والمثقفات في الوطن العربي مع الحضور المناسباتي والثقافي، ورؤيتهن المرتبكة لها، تحت ضغوط الأنوثة على اختلاف ميولها وتفضيلاتها المختلفة، مقابل هشاشة وضعف المنتج الثقافي غير الواضح المعالم في أغلبه، حين قلت: "يبدو أن كثيرا من الإعلاميات والمثقفات لا يفرقن بين فعالية ثقافية مؤتمر صحفي ودعوة عرس، فالمكياج سيد الموقف وليس الوعي..!".
لكن الطيف الواسع من جمهور المتابعين والأصدقاء وافقني على ما ذهبت إليه، وفق رؤى مختلفة، لكنها تعكس على نحو ما مواقف التباين في الشارع حول ما طرحته.
وعلق عدد من الأصدقاء بتعاطف طبيعي يغلبنا أحيانا، وأبرره لهم، لأنهم ربما لم يدركوا ما رميت إليه تحديدا من وراء تلك التغريدة.
وقد علّق الدكتور علي عبدالمتعالي غاضبا "عزيزي صالح، اسمح لي أن أسجل استغرابي لتغريدتك هذه، التي أصفها مجاملة لك بـ"الغريبة"، ولو سلمنا بما تقول، لفقد الناس إحساسهم بالفردانية، ولاضطررنا إلى تنميط الناس وقولبة سلوكهم عن طريق تغيير مظاهرهم، لتلبية المعايير الاجتماعية التي تناسبك أنت، وتحاول فرضها عليهم. ما قرأته هنا كان آخر ما أتوقعه من مثقف مرموق مثلك يا صالح، وقد ذكرني هذا بما ذكره سميك صالح الشيحي في يوم ما".
فيما قالت عضوة مجلس إدارة أدبي جازان، هدى الخويري "والله صدقت، الجمال هو وصف الأنثى، ولكن في العادة لكل لحظات حضور معين.. ونجد كثيرا من الإناث مكياج السهرة هو مكياج السوق والعمل وحتى في الموت..".
هذه نمادج مختصرة من ردات الفعل على ما جاء في التغريدة، كان بعضهم قريبا إلى جزء مما رميت إليه، إذ إنني لا أبحث في الواقع سوى عن كسر نمطية النسخ الممسوخة المكررة لنموذج المثقفة التي تقدم نفسها على الساحتين الإعلامية والثقافية العربية بصلف، وبدعم من المجاملات الذكورية في الغالب، على حساب جودة الإنتاج الثقافي والفكري ووعي الشريك الأهم في حياتنا.
وأنا مؤمن بأن الفردانية هي التي تصنع اللوحة المعبرة ذات القيمة، ولكن بهذه الطريقة والكيفية لن نصنع سوى مزيد من الندوب المستقبلية لشكل ومضمون الفعل والوعي الثقافي الإنساني.
وتعالوا، لنشاهد الساحة الثقافية النسائية العربية عن قرب، ونحاول حصر عدد المثقفات (المؤثرات) فعلا، اللواتي يمتلكن أصواتا قوية لها شخصياتها الواضحة، وحتما سنقف برهة لتأمل المشهد الذي يمكن وصفه بالمتردي، والذي تبدو على إثره محاولة الزج بالمرأة كمثقفة ودعمها لمجرد الحضور كيفما اتفق، عبثا وتهريجا وتنازلا عن المسؤولية الثقافية ذاتها، وكثير من المثقفين المفترضين يعلمون ذلك يقينا، لكنهم يتجنبون ذكر ذلك علنا، ويعبرون عنه صراحة في الغرف والمجالس الضيقة، ويعترفون بأن دعمهم هو موقف أشبه -بالشفقة- لمساعد المرأة في ظل الانغلاق الذي تعيشه المجتمعات العربية كما يقولون، وأقول هذا من داخل المشهد لا من خارجه وأنا به عليم.
وكثيرات اقتنعن بخدعة أنهن بالفعل قطعن شوطا كبيرا ومهما على مستوى الوعي والفعل الثقافي، وأصبحن يستعرضن بصلف كبير حضورهن الهش، كشيء من الزينة والحلي والمجوهرات، في حالة معبرة عن غياب مفهوم الثقافة وهمومها العميقة، وهن شريكات قطعا في هذا.
نحن إذن أمام حالة مرض ثقافي مشترك، يرسمها المثقف وتتلبسها الأنثى بوصفها (مثقفة مفترضة) باقتناع، تحت ضغط هوس الشهرة والألقاب ودعوات المحافل الثقافية ربما، وهذا قطعا لا ينطبق على جميع المثقفات.
أتذكر قول المفكر والأديب محمد زايد الألمعي، قبل عدة أشهر على حسابه بالفيسبوك، -وهو من أهم ما يمكن الاستناد إليه لتوضيح الصورة والتعبير عن امتعاضي على الأقل- في قوله "المبالغة في الاحتفاء بالمرأة الكاتبة وصل إلى حالة وبائيّة من الكذب والتزييف، وأصبحت أتوجس من أي إشادة بكاتبة حتى من الأقلام المحترمة".