لا نشك في أن من تولى مسؤولية عمل أو منصب يأتي في بداية الأمر وهو محمل بثقل الأمانة، جاعلا نصب عينيه الاجتهاد والعمل الدؤوب ليخلق الفارق بينه وبين من سبقه، ويسجل إنجازات سريعة تثبت أهليته لذلك المكان. وفي وسط ذلك الاجتهاد يصطدم بالمعوقات من جميع الأصناف والأشكال، بعضها من مخلفات الماضي والبعض الآخر ممن يخافون التغيير الذي قد يكشف عورهم، لذلك لا يرون بدّاً من الزج بأنفسهم وسط التيار مهما كانت قوته حتى وإن خسروا شيئا في بداية المحاولة إلا أن ما يحتفظون به من مكاسب تم تحصيلها بمحاولة مشابهة يجبر خسائرهم، وهؤلاء ليس شرطا أن يكون تدخلهم بالوضوح بحيث تكشف مكاسبهم الشخصية، بل يتلبسون محبة الغير والحرص على المصلحة العامة، لذلك يكون التودد هو المدخل، وإن وجدوه لم يجد نفعا ضربوا على وتر مصلحة العمل، وإن عجزوا كان التخويف من غضب الجمهور وتدخل الإعلام ليفضح الإخفاقات المزعومة وما يصاحب ذلك من ضجيج قد ينسف كل مخططات الإصلاح.

لذلك وجب عليه أن يتراجع ليفكر مليا في كل هذه الأمور حتى ما كان منها حلّا لمشاكل كبيرة طالت أكثر من مجال. الإشكالية هنا أن بعض المصلحين قد يتراجع مقتديا بنصائح المرجفين والتي لا تنبع إلا من أطماع ليست في مجملها نزيهة، وكان بإمكان ذلك الجاد اكتشافها لو أنه فكر مليّا في مصلحة هؤلاء الأشخاص في حمل لواء الدفاع عن آخرين ثبت تعطيلهم مصالح المراجعين، وتحديهم الأنظمة والقوانين التي تحكم بيئات العمل، وتوضح العلاقة بين المسؤول والمراجع من حيث خدمته على الوجه الأمثل ودون مِنّة، لأنه وجد في مكانه للتسهيل وليس للتعقيد، وتصنيف نوع الخدمات بناء على خلفيات مبيتة عن بعض الفئات المستفيدة من خدمة هذا القطاع الذي يقف كقائد له.

ما هو ضروري أن يحصن كل مسؤول جديد من تدخلات أو وساطات مجموعة المتطفلين الذين لا همّ لهم إلا إبراز شخصياتهم كمنقذة للبعض ممن لن ينسوا نصيبهم من كعكة النصر وهي تقسم نشوة وفرحا بترجل ذلك المخلص الذي حلم طويلا بتطهير المرافق التي حوله من طفيليات نمت وترعرعت، غير أن عملية إبعادها ليست صعبة، بل تحتاج فقط مزيدا من التأمل لحال المكان فيما لو قمعت أو حجمت هي وسقطت عند هبوب ريح خفيفة يكفي من خلالها أن تكتشف الأساس الذي بنت عليه هذه الفئة تصوراتها وقناعاتها حول الإخلاص والتفاني في العمل، ومراعاة أن من أفلت من العقاب مرة فلن يفلت أخرى مهما طال به الزمن.