ثمة حراك ثقافي في بلادنا "أشارت إليه د.عزيزة المانع" في مقالها الأحد الفائت، يتجلى في كثرة إقامة العديد من المؤتمرات والندوات والجوائز الثقافية والصالونات الأدبية، ولعل "معارض الكتب" وما يصاحبها من فعاليات وأحداث، أصبحت أكثر تجليات ذلك الحراك اهتماما وفعالية!

ولكن اللافت للنظر و"للألم"، أن مخرجات ذلك الحراك الثقافي باهتة أو "غائبة تماما"، وتأثيرها في الذهنية الجمعية يظل "سطحيا" و"بسيطا"، مما يفضي إلى عدم تحقيق "التنمية الثقافية" التي تنشدها كل أمة لنفسها في سباق الحضارات.

ولعل غياب الخطط "المؤسساتية" التي تتضمن أهدافا إستراتيجة واضحة ودقيقة وممكنة التحقق، هو السبب الرئيس الذي جعل المشهد الثقافي لدينا يعج بصخب وضجيج لا يحتمل نداءات الثقافة الرصينة.. العقلانية.. فيتحول "الكتاب" إلى سلعة تجارية بلا ماركة ثمينة، وتتحول شخصيات المشهد إلى مؤلفين "بحسب الطلب"، وباعتبار حفلة التوقيع المنتظرة، واستجابة لإغراءات دور النشر المبهرجة، وإلى مستقبلين سذج يحضرون ليدعوا وصلا بالمؤلفين "الجدد" الذين يقيمون لمرتاديهم وزنا مهما على كل حال! "أينهم..هؤلاء الذين يدعون وصلا بليلى# وليلى لا تقر لهم بذاكا"؟!

أصبحت الصدارة في معارض الكتاب لدينا، إما لعناصر "الصحوات" البائدة، ممن أصبحوا نجوما للمنتديات ووسائل التواصل وأطياف كثيرة من مجتمع الخطابات العاطفية، وإما للشعراء الشعبيين الذين عادوا إلى المشهد على أوتار الرغبات القديمة في الفخر والهجاء والغزل والمديح، بعد أن أفرغ رجال الصحوة العقول لاستقبال النداءات الشعبية التقليدية من جديد، وإما للذين استغلوا هشاشة "الحكاية" فراحوا يوهمون المتلقين بوصفات سحرية لـ"السعادة" و"الإبداع" و"القيادة" بخطابات "رقيقة" تدغدغ المشاعر وتستفز الأحاسيس، بحكايات عجيبة ووصايا مثالية، بعيدا عن لغة العقل والمنطق!

أما رابع متصدري معارض الكتاب، فهم شباب يمتلكون أرصدة هائلة من "المتابعين" في بنوك "الميديا" الحديثة، استغلوا شهرتهم الاجتماعية -وليست الثقافية بالطبع- لكتابة يومياتهم في بلاد الله التي ارتحلوا إليها مبتعثين من أجل العلم، فعادوا مبعثرين مشتتين، يبحثون عن أنفسهم خلال "يوميات وذكريات وأفكار"، لا تنتمي إلى العلوم ولا تقترب من أشكال الآداب والفنون!

وفي الجانب الآخر، نجد كتب "الرواية" المحلية ما تزال تحتفظ بمكانتها "الاقتصادية"، رغم الغياب المرير لرواية "محلية" تتوافر على قدر معقول من عوالم وتقنيات الرواية الحقيقية، للدرجة التي غابت فيها الرواية السعودية عن المشهد الروائي العربي تماما.

فعلى سبيل المثال، فإن آخر ظهور بارز للرواية المحلية كان قبل 6 أعوام في جائزة البوكر -الأكثر مصداقية- على يد الروائية رجاء عالم في عملها "طوق الحمام"، كما أن الأسماء الروائية السعودية وُجِدت في القوائم الطويلة للجائزة 6 مرات خلال 8 سنوات سابقة مقابل 28 مرة للروائيين المصريين، ثم اللبنانيين!

وبالمناسبة، فقد استوقفني حديث للروائي طاهر الزهراني في معرض جدة الأخير، حين يؤكد بشجاعة ضعف إنتاجه الروائي، وهو يصف الرواية السعودية عامة بالضعف، لأنه يمثل بقوة ذلك الإنتاج في السنوات الأخيرة "مع تواصل أعماله العابرة في عالم الرواية"، وربما لم يكن يعرف أن رواية واحدة "مقنعة فنيا" أفضل بالطبع من عدة روايات في سنوات متقاربة، تشبه بعضها بعضا، بتواطؤ عجيب مع البسيط والمألوف والنموذج والنمطي!، وهو ينتقد روائيي الأعمال الواحدة!

وربما أن شجاعته في الاعتراف بذلك ضمنا في حديثه داخل المعرض، وتصريحا في لقاءات صحفية سابقة، رمى بالكرة -فعلا- في ملعب القائمين على المشهد الاحتفالي الثقافي، الذين جعلوا "حالة" روائية في غاية البساطة والبراءة تنظر إلى زمن روائي كامل في حين أن تلك "الحالة" لم تكن لحظة روائية حقيقية في ذلك الزمن أصلا!

أخيرا، أخبركم بالمرارة والوجع اللذين ينتاباني عندما أشتري كتابا لـمحمد أركون بـ45 ريالا فقط، في حين أن كتابا مثل "لو كنت طيرا" للداعية سلمان العودة يباع بـ50 ريالا، ومثله كتاب "كخة يا بابا" و"ستاربكس" ورواية الجن والشعوذة "جنون"!.