دعا عدد من الباحثين والمؤرخين لإنشاء بنك للمعلومات والمعطيات حول المعالم التاريخية المندثرة بالمدينة المنورة، وتشكيل فريق علمي لجرد الموروث الثقافي بوضع أطلس تاريخي لمعالم المدينة القديمة، لأهميتها الدينية والتاريخية. جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الباحث المختص في تاريخ المدينة المنورة عزالدين المسكي بصالون السقيفة بأدبي المدينة أول من أمس، بعنوان (الموقع التاريخي بالمدينة المنورة بين الحدث والمكان).
الأحداث الوطنية
انتقد الباحث المسكي، اختصار المرشدين السياحيين بالمدينة بالتعريف بآثار المدينة الموجودة (الظاهرة)، دون التعريف بالمعالم المندثرة، وهي أولى بالتعريف إحياء لها، مخالفين بذلك التعريف الذي حددته هيئة السياحة والتراث الوطني، التي اعتبرت أن الموقع التاريخي هو المكان الذي شهد أحداثا تاريخية ووطنية مهمة، بغض النظر عن وجود أثر قائم أو مطمور فيه.
معلوم الجهة
طالب المسكي الباحثين والمؤرخين والمرشدين السياحيين بما وصفه بـ"اتباع منهج من سبقونا" بتدوين تاريخ المدينة المنورة والتعريف به، مشددا على أهمية "أن يعامل الموقع كما يعامل الأثر"، لأن الحدث ـ كما قال ـ يمنح أهمية للمكان ويكسبه بعدا تاريخيا، كما يثبت المكان ويرسخ أهمية الحدث أيضا. واستشهد المحاضر بعبارة علمية كان يدونها أمام المؤرخين بتاريخ المدينة (السمهودي)، الذي كان كلما وقف على أثر مطمور لتدوينه في مؤلفاته، يكتب عبارة علمية منصفة هي "معلوم الجهة مجهول العين"، مستعرضا عددا من المواقع والمعالم التاريخية المندثرة، من بينها "ثنية الوداع والخندق وموقع يثرب"، الذي قال المحاضر إن تسميته تعود للحفيد الخامس أو السادس لنبي الله نوح عليه السلام، وكان يكتب بصكوك الملكيات إلى ما قبل 100 عام، ويعرف بـ(جزع يثرب)، إلا أن تركيز الباحثين والمؤرخين بالآثار القائمة وإهمال المطمورة، ساهم في ضياع بعض المعالم القديمة للمدينة، مطالبا الباحثين بالعناية بالموقع والمعالم التاريخية، حتى لو لم يكن عليها آثار قائمة، حفاظا على تاريخ المدينة.
حدود الحرم تعبدية
أشار الباحث إلى أن من معالم المدينة التي ارتسمت منذ أن حطت سفينة نوح عليه السلام، على الأرض ومنها ما تشكل بعد الرسالة المحمدية، ومنها ما يجب العناية به، لارتباطه بالعبادات مثل موقع "ذو الحليفة"، الذي يحرم الحجاج والمعتمرون منه، والروضة الشريفة بالمسجد النبوي، ووادي بطحان، وجبل أحد، التي ورد في الأحاديث النبوية فضلها، والحرتان الشرقية والغربية، وجبل ثور، وعير، وهي حدود الحرم المديني، وترتبط بها بعض العبادات.
فريق لإحياء المندثر
امتدح رئيس نادي المدينة المنورة الأدبي الدكتور عبدالله عسيلان، في مداخلته بمحاضرة السبكي ـ المؤرخين إبراهيم العياشي، وعبدالقدوس الأنصاري، اللذين كانا يجتهدان في التعريف بالمعالم المندثرة، ويوضحان صورتها ليتعرف عليها الناس، مشيرا إلى أن العياشي يذرع (يقيس بالذراع)، معالم اندثرت ويتحدث عنها في كتبه التاريخية، ويضع مخططات تقريبية لإحياء معالم طيبة، التي أصبح الكثير منها يوافق عبارة السمهودي، التي نقلها المحاضر معلوم الجهة مجهول العين. وقال عسيلان متأسفا: إن كثيرا من المعالم أصبحت أثرا بعد عين، مطالبا هيئة السياحة والتراث الوطني، بتشكيل فريق لدراسة المعالم المندثرة، لإحياء ما اندثر من معالم المدينة، لاسيما والمدينة اليوم يحتفى بها عاصمة للسياحة الإسلامية. وشهدت المحاضرة عددا من المداخلات من الحضور، ومطالبات بإنشاء مرصد وبنك للمعلومات، للحفاظ على موروث طيبة الثقافي والتاريخي.