نحاول في هذه القراءة الوقوف عند ظواهر الربط النصي في قصيدة المنشق للشاعر أحمد مطر، وفق فهم يستند إلى نحو النص في قراءة القصيدة، هذا الفهم الذي ينطلق من أن النص هو الوحدة الدلالية الكبرى التي تتحقق في سياق وتتجسد على هذه الوحدة في شكل جمل.

برزت في النص عوامل ربط عدة أسهمت منها البنية المعجمية المكررة التي برزت في العنوان وتكررت في النص، فإذا ما توقفنا عند عنوان النص المؤلف من كلمة واحدة هي "المنشق"، وهي اسم فاعل تدل على من قام بهذا الفعل بمعناه السياسي، والنص يقدم مقولاتها الدلالية كلها التي تندرج ضمن هذا الإطار السياسي بطريقة تقوم على السخرية اللاذعة، ستشكّل هذه الكلمة ومشتقاتها "ينشق، الشقين، ينشقان، انشقاقي" وسيلة ربط تربط منطلق القصيدة وهو العنوان بخاتمتها.

وسيشكل التكرار الرابط الثاني في تشكيل دلالة النص، وهذا يظهر على صعيد تكرار الكلمات والجمل، يقول:

كلها تنشقّ في الساعة شقين

وينشق على الشقين شقان

وينشقان على شقيهما

فنلحظ أن الكلمات المكررة المشتقة من الانشقاق، وطريقة رصفها، وموقعها في أول الجملة، هذه كلها تعطي الكلمة المكررة موقعا دلاليا بارزا عند المتلقي، تدفعه للتركيز عليها، فهي محور الدلالة، لاسيما أن الشاعر قد اعتمد في سبكه على التوازي الإيقاعي بين الجمل وهذا عنصر موسيقي يعزز من الدلالة المرادة وهو ما نلمحه أيضا في تكرار كلمة "الأحزاب" يقول: "أكثر شيء في بلدتنا الأحزاب والفقر وحالات الطلاق" ثم يقول: "عندنا عشرة أحزاب ونصف الحزب..."، فهذا التكرار ليس اعتباطيا، إذ أسهم في تشكيل وحدة دلالية للنص، فالشاعر هنا يبيّن موقفه من الأحزاب بطريقة بالغة السخرية، فليست الأحزاب سوى كذبة وألعوبة تراوغ على الناس، وقد أسهم العطف وهو من وسائل الربط النحوي في تعزيز هذه الدلالة، فقد عطف الفقر وحالات الطلاق على الأحزاب، والعطف يساوي بين المعطوف والمعطوف عليه في الدرجة.

ثم تحضر وسيلة ربط أخرى لتدعم دلالة النص هي وسيلة التضاد، وهي وسيلة قائمة على الثنائيات المتضادة لإظهار السخرية من تلك الأحزاب ومن هؤلاء السياسيين الذين يبيعون للناس أحلاما، فإذا تأملنا المثال السابق فسنرى فيه ثنائية "الانشقاق، الاتفاق" وهنا تحدث المفارقة الدلالية، التي لا يفسرها سوى السخرية اللاذعة من الشاعر لتلك الثنائيات التي تحكم عقليات السياسيين، الذين دوما يتذرعون بحجج وتبريرات غير منطقية لتبرير فشلهم. كما تبرز تلك الثنائيات في قوله: "جمرات تتهاوى شرراً/ والبرد باق/ ثم لا يبقى لها إلا رماد الاحتراق"، فالثنائية متحققة بين "الجمرات والشرر"، وبين "البرد"، فالمنطق أن وجود الجمرات والشرر يستدعي وجود النار والدفء، ولكنه هنا لا يستدعي إلا البرد، ومكمن السخرية أن الشرر والجمرات ما هي إلا خطابات هؤلاء السياسيين التي تعد بالدفء ولا يتحقق.

ومن وسائل الربط النصي المتحققة في النص حركة سير الضمير فقد ابتدأ الشاعر بضمير متكلم دال على الجماعة "بلدتنا، عندنا"، من أجل تقديم الحالة العامة التي تمثل الوطن القائمة على انشقاق الأحزاب، وليزيد من قسوة السخرية المتمثلة في المقطع الأول ختم نصه المتكلم "لم يعد عندي رفيق... شكلت من نفسي حزبا... أعلنتُ... انشقاقي") فهنا يشكل الشاعر حزبا مؤلفا من منتسب واحد هو الشاعر نفسه، الذي لا يفتأ يعلن الانشقاق على نفسه سخرية ومناسبة للحالة العامة التي تعمّ الوطن. كذلك اعتمد الشاعر على كثير من الروابط النحوية للفت الانتباه ولشد المتلقي ولتدعيم دلالته، ومنها التقديم والتأخير كما في قوله: "أكثرُ الأشياء في بلدتنا الأحزابُ" فقد قدم الخبر على المبتدأ وغرض الشاعر من وراء ذلك تركيز انتباه المتلقي على العنصر المهم في الجملة وهو الكثرة. ومن وسائل الربط المهمة الحذف والإضمار الحذف القائم على إخفاء عنصر من عناصر الجملة كما في قوله "جمرات تتهاوى شررا"، فقد حذف المبتدأ فلا يبدأ بالعربية بالنكرة ويقدر الضمير قبلها فالتقدير هنا "هي جمرات".

أخيرا، يمكن القول إن الشاعر قد وفق في رسم صورة كاريكاتورية مريرة لواقع سياسي مرير، مستخدما وسائل ربط نصي متعددة في تشكيل دلالته المرادة ومعتمدا على لغة تواصلية بسيطة ولكنها قوية السبك.