كل ما نعيد إرساله واستقباله قبلها مجرد كلام! هذا ما ننام ونصحو عليه مسموعا أو مرئيا، أو هي صرخة من حبال صوتية قبل أن تنتهي حياة صاحبها. مجرد كلام. يا عرب يا مسلمون وكل نداء يصل إلى آذاننا مجرد كلام.
مقتل السفير الروسي في تركيا، خبر كان يمكن أن يمر كآلاف الأخبار التي لا تعنينا ولا تترك أثرا، مجرد ضجيج عابر، ثرثرة خلف الجدران لا تصل إلينا ولا نحفل بها، لكننا كالعادة نصر أن نجعل من هذا الحدث حدثا عظيما، فندين القتل حتى يثبت أننا إنسانيون ولسنا أعداء للسلام، وهناك من لاحق من لم يدن هذه الجريمة ويطالبه بالإدانة، وهو ما رفضه أحد مشاهير الكتّاب، من باب أنه لو كان سيعلّق على كل حدث فسيتحول حسابه إلى شجب واستنكار!.
وعدا الإدانة، هناك من ينبري للهجوم على من أدان الاغتيال، لأن الضحية كان يؤيد قتل الضحايا، ويظهر الشماتة والفرح، وهناك من عبّر عن سعادته وبهجته بالاغتيال، معتبرا أن الاغتيال فتح عظيم، وهناك من عارض لأن القتيل مجرد سفير، باختصار لا يملك قرارا، بل هو مجرد رسول الحرب، والرسول لا يقتل!.
كالعادة نختلف، لكن هناك من يقرر أننا مدانون بناء على ردود فعل من استبشروا بقتل السفير، هناك من يقرأ ويوظف كل ما نكتب ضدنا.
بالطبع، الكاره لن ينصفك ولن ينظر إلى المنصفين، بل سيبحث عن أدلة الاتهام التي تؤيد عداءه لنا.
يجب أن ننتبه إلى أن ما نكتبه سيصبح تحت مجهر الرأي العالمي، وما نتلفظ به أيضا، يحسب له كل حساب ممكن، وكان هذا ما حدث، فتسلطت حسابات معادية لاتهامنا بالقتل وتخويننا، مستدلة على ذلك بكلامنا الذي قاله البعض تفاعلا مع الحدث!.
أعلم أن من يكتبون في وسائل التواصل كثير منهم من صغار السن، ومن المتحمسين بلا وعي حقيقي بخطورة ما يقال علينا، وطنا ومواطنين، ومن هذا ما تناقلته وسائل إعلام خارجية لفتوى خارجة عن المنطق، تقارن بين عقوبة تارك الصلاة وإحدى المعاصي التي تستفز العقل والنقل.
ليست الكارثة فقط أنه أخطأ أو غيّب المنطق، فهو بشر واحتمال الخطأ منه وارد، لكن أي صورة تتشكل عنا في الخارج، وأن الإسلام هو ما أخطأ به هذا الرجل من مقارنة مختلة؟!
لو قالها يهودي أو نصراني لتعجبنا. تخيلوا أن يقارن ترك الذهاب إلى الكنيسة بالجرائم الأخلاقية، هذا بالضبط ما حدث ضدنا، صورة أمام الإعلام العالمي مشوهة، وهذا التشويه لم ينطلق من قصد المتحدث الذي كان يحذر الشباب من ترك الصلاة والتهاون بها.
المقارنة تحتاج إلى وعي بين الفاضل والمفضول، وتستحضر "تلبيس إبليس" لابن الجوزي الذي بدأ بمقارنة فيه بين فضل العبادات.
أما اليوم، فليس من السهل أن نقيم مقارنة بدون عمق في الثقافة الدينية، وبدون وعي عقلي كاف، خاصة لإدراك الصورة الأبعد.
تصوروا رجلا يتحدث في مجلس، فيسلط عليه الضوء لأنه قال رأيا غريبا، وتتسع دائرة الضوء حين يصبح كلامه متداولا في التواصل العنكبوتي، وتتسع أكثر حين يصل إلى متابعة عربية ثم عالمية!.
أتمنى أن ندرك جميعا أن كل ما يقال سيبقى حتى لو لم ندرك أنه مسجّل، ولمن يصرون على الخطأ أو تجاهل الاعتذار أقول: لا تخش من محب، فالمحب سيجد لك متسعا في قلبه، لكن الكاره لن يفعل ذلك أبدا.