في يومنا هذا تحتفل المملكة كافة وعلى حد سواء من مواطنيها والمقيمين فيها بمناسبة وطنية كبيرة لها حقها من التمجيد والفخر والاعتزاز، وهي الذكرى الـ86 على توحيد وقيام هذا الكيان الشامخ.

86 عاما مرت على ثمار جهد وعناء من سعى في لمّ شتات هذه البلاد وتوحيد كلمتها وإعلاء شأنها، المؤسس "معجزة الصحراء" كما وصفة المؤرخون والمستشرقون الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.

قد يدرك القلة -وإن لم يكن إدراكهم كليا- حجم تلك الصعوبات والأزمات التي واجهها المؤسس خلال 32 عاماً في توحيد وتشييد هذا الصرح، ووضع المقومات الرئيسية لحياة مدنية رغدة تنهض به اجتماعياً واقتصادياً، وترتيب الأوضاع السياسية وخلق جو من الوحدة تحت شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، في وقت كانت البلاد تعيش ظلاما دامسا، تجرع فيه سكانها مختلف أنواع المرارة من خوف، وانعدام الأمن، فلا يأمن الشخص على أهل بيته وهو بينهم، إلى فقر ومجاعة، وجهل وابتداع في الدين يسيطر على كافة البلاد، إلى حروب قبلية وتعصب للدم، بالإضافة إلى نقطة من زاوية أخرى وهي تنازع القوى الأجنبية عليها.. باختصار: كانت البلاد تعيش فوضوية وأسلوب حياة مشتتا.

تزامناً مع هذه المحن كان أمام الملك عبدالعزيز مأزق بشكل مختلف. ففي عام 1929م/ 1348هـ وقعت الأزمة المالية العالمية أو ما يعرف بالكساد العظيم في أميركا، والتي عم تأثيرها جميع اقتصادات العالم، وهي أشد أزمة اقتصادية وقعت حتى الآن. وانعكس تأثيرها على البلاد السعودية بشكل جلي في مظاهر متعددة كان أبرزها الجانب المالي، إذ فقدت الدولة أهم ركائز اقتصادها "عائدات الحج"، وذلك قبل اكتشاف الذهب الأسود بسنوات. فأعداد الحجاج بدأت في التناقص، وطالت الأزمة كافة موارد الدخل على الدولة، وارتفعت الأسعار مع شُح في الموارد وتدني سعر صرف الريال.

الملك عبدالعزيز الشاب ابن الصحراء، واجه آثار الأزمة برؤية شخصية اقتصادية تنم عن حكمة وصلابة وبإنصاف مع تغليب المصلحة العامة؛ اتخذ عدداً من التدابير العملية للتعامل مع آثار الأزمة ومواجهة انعكاساتها، حيث أوجد لجنة بمسمى "لجنة التنسيقات" التي كانت مسؤوليتها السعي للتقليل من حدة انعكاس الأزمة على ميزانية الدولة وإداراتها الحكومية. وضعت لجنة التنسيقات مقترحا بالاستغناء عن الموظفين وفصلهم، إلا أن إنسانية الملك عبدالعزيز رفضت هذا المقترح، وأيدت تخفيض المرتبات، وذلك لعلمه بسلبيات هذا القرار على الموظفين وأنه ليس من العدل فصلهم.

أمر بتوزيع المواد الغذائية على المحتاجين في البوادي والحاضرة، قام بإنشاء البنوك المصرفية، دشن المشاريع التنموية، وغيرها من الأنشطة والإصلاحات التي حدّت من تفاقم الأزمة إلى أن مرت تلك الضائقة بسلام.

أنا متاكدة -وعلى يقين- أنه لم يخطر على بال الملك عبدالعزيز ورجاله وهم يسعون ويبذلون الغالي والنفيس في تنظيم هذه البلاد وتطهيرها ولم شتاتها وصف وحدتها، أنه قبل أيام من الذكرى الـ86 لليوم الوطني للبلاد سيتم إيقاف مجموعة من أبناء هذا البلد الذين وفر لهم حياة تملؤها الطمأنينة والأمن ورغد العيش تحاول إرهاب وطنها وزرع الفتنة وإثارة القلاقل، لم يعتقد أبداً أنه ستأتي أمهات سُيطر على عقولهن بالفكر الضال يكافؤونه ورجاله بتجنيد أبنائهم ضد هذا الوطن الذي زرع نبتهم وقوى عضدهم، يسعون لتدمير ما بناه الملك عبدالعزيز وحافظ عليه أسلافه من بعده، يريدون إعادة أسلوب الحياة الهمجي الظالم قبل توحيدها، ولكن هيهات، لن تقوم للظالم قائمة في ظل حكومة لا ترضى بالظلم، لأن شريعة الإسلام منهجها.

كل عام وأنت بخير يا وطني.