يختلط الحابل بالنابل في كل زمن يسوده الاعوجاج والعوار الأخلاقي، بحيث تصبح الراقصة داعية، ولاعب الكرة مثلاً أعلى، والمطرب الشعبي وسيلة من وسائل الدعاية السياسية، و"المشخصاتي" أو الممثل مفكراً وفيلسوفاً، خاصة إذا كان ممن لا يهمهم سوى الربح المادي ولا تمت أعمالهم لقضايا شعوبهم وهموم أمتهم بصلة!.

كل هؤلاء النماذج الذين يصح أن نطلق عليهم (أبناء الزيف)، هم الذين يرتعون - مع الأسف - في خيرات الأمم والشعوب، ويتصدرون المجالس والشاشات، ولا أحد ينتبه للكوارث التي يتسببون فيها بقصر نظرهم وجهلهم!.

وإذا كانت هذه النماذج موجودة في كل مجتمع، فإنني هنا أخص المجتمع المصري بثلاثة أمثلة باعتبار أن مكانة مصر التاريخية والحضارية والفنية من المفترض ألاّ تجعلها مرتعاً لمن لا تجيد إلاّ الرقص على (واحدة ونص).

ففي الفن على سبيل المثال: رأينا كيف يسفّه عادل إمام المقاومة الفلسطينية بلا أدنى منطق، وكيف يهاجم العرب ويتهمهم بالحقد على مصر بسبب ريادة الفن المصري!.

وفي الرياضة أيضاً: رأينا كيف تحولت البرامج الرياضية المصرية إلى مشاهد جنائزية لأن الإسماعيلي لقن الأهلي درساً في فنون الكرة وهزمه بثلاثية أوروبية (كما قالت وكالات الأنباء)، وكأن محافظة الإسماعيلية تنتمي إلى دولة أخرى، والعجيب أنك تجدهم بعد ذلك يتساءلون ببراءة (الجهلاء) عن أسباب التعصب!.

وفي الغناء، وهو مثال ثالث صارخ: نرى شعبان عبدالرحيم يجهز لأغنية عنوانها "مش هانتخب البرادعي"، ظناً منه أن الرئيس مبارك يرضى عن مثل هذا الابتذال الذي يقول فيه شعبان:

"مش هانتخب البرادعي.. ولا حتى في الخيال.. الريس لسه كويس.. والصحة عال العال.. كبير وعنده خبرة.. ويعرف حاجات كتير.. وأهل زمان قالولنا.. إن الكبير كبير.. مش أي حد يحكم.. بلدنا بلد النصر.. غير حد يكون عارفنا.. وعاش على أرض مصر.. أنا هانتخبك يا ريس.. لو حتى دمي سال.. وإن مترشحتش إنت.. أنا هانتخب جمال.. من غيرك يبقى رئيسنا.. ويلم شملنا.. أنت فاهمنا ودارسنا.. وعايش وسطنا.. الناس عايزة الأمان.. في حياتها وأكلها.. وأنت اللي في كل أزمة.. نلاقيك بتحلها.. خليك معانا يا ريس.. متسبشي النار تقيد.. وعدي بينا الصعب.. واعمل عبور جديد.. الشعب المصري الطيب.. عايز منك كتير.. ومصر تستحق.. مجهودك الكبير..".

لا أعتقد أن الرئيس مبارك الذي لم يسمح للفنان الراحل أحمد زكي بتجسيد شخصيته في فيلم "الضربة الجوية" وهو (أي الرئيس) على قيد الحياة، (على الرغم من أن زكي فنان كبير وجسد حياة الرئيسين عبدالناصر والسادات من قبل)، سيسمح لمطرب شعبي لا يستطيع كتابة اسمه، أن يغني كلاماً دعائياً لا يليق بحدث كبير على هذا النحو، فضلاً عن إساءته للآخرين، ولا أعتقد أن الرقابة على المصنفات الفنية في مصر ستسمح بهذا الإسفاف، مثلما سترفض تماماً أن يخرج علينا مطرب معارض ليغني لمنافس الرئيس سواء كان البرادعي أو سواه!.