حينما يذكر مسمى "وادي بيشة" على اللسان، لا يخطر على بال القارئ أو السامع ما احتضنته بطون هذا الوادي من تاريخ أُورد بعضه في كتابات المؤرخين والمستشرقين، والبعض الآخر تُرك لآثار ونقوش بقيت شاهد عيان لتحكي تاريخاً قديماً لأجيال تعاقبت عليه، فموقع وادي بيشة الإستراتيجي في المنتصف بين الحجاز ونجد شمالاً وعسير واليمن جنوباً جعله محطة للقوافل المسافرة بين الوجهتين، وبهذا أصبحت هذه المنطقة مسرحاً للأحداث. يذكر ابن بليهد في صحيح الأخبار النشاط التجاري لأسواق بيشة ويعدد بعضها ويبين ما كان لها من عظمة. وادي بيشة من أهم الأودية في شبه الجزيرة العربية وذلك لطول مجراه، وفساحته، وتعدد روافده التي تزيد عن 90 رافدا كما أحصاها الجغرافيون. يقول الشاعر الأندلسي ابن سيدة:
وجاءت من أباطحها قريش
كسيل أتى بيشة حين سالا
وينسب ابن منظور في لسان العرب المقصود بقريش هي القبيلة وتاء التأنيث في "وجاءت"عائدة على قبيلة قريش، فكأن ابن سيدة يشبه ضخامة إقبال قبيلة قريش بالسيل العرم في وادي بيشة.
الرحالة والطبيب الفرنسي موريس تاميزييه المرافق للحملة العثمانية إلى شبه الجزيرة العربية ذكر طول ونخيل وادي بيشة في مذكراته مشبها إياه بنهر النيل فيقول: "وادٍ جميل، مغطى بأعداد كبيرة من النخيل، وواديها يشبه النيل؛ إلا أن جريانه غير مستمر".
في أسفل هذا الوادي بني سد الملك فهد ويعد من أضخم مشاريع المملكة التنموية، حيث بلغ إجمالي تكلفته من الناحية الإنشائية ما يتجاوز 246 مليون ريال سعودي، من أجل تأمين المياه وتنمية مواردها وحفاظا على أهم مصادر الحياة، إضافة إلى خطط تنموية اقتصادية، بما فيها إعمار الزراعة في الوادي لخصوبة أرضه ولاشتهاره بالنخيل، فيقال عنها "بيشة عاشقة النخيل وجارة الوادي". خلال السنوات الـ15 المتعاقبة بعد افتتاح السد في عام 1419 كان كل خبر عن ارتفاع منسوب المياه في السد بمثابة بشارة المولود لأهالي قرى الوادي، حيث تفتح عباراته لتقليل منسوب المياه ويضخ الماء في مجرى الوادي ليصل إلى أعالي المحافظة، حينها تنتعش الزراعة وترتفع محصولات منتوجاتها الزراعية ولا تقتصر على التمر الذي تشتهر به بيشة، فيكثر العنب، والليمون، والأجاص، والكمثرى وأنواع الخضار من طماطم وغيرها. ولم يتوقف انتعاش الوادي على الزراعة فقط، بل كثر زواره وأصبح يسمى "الوادي الأخضر" دلالة على خضرة أراضيه، فزاد عدد سكانه مع ازدياد ولعهم به. وبدأ الجميع في شراء الأراضي والبناء وقرار الاستقرار فيه، أيضاً كان هناك عدد لا بأس به من السائحين من دول الخليج لزيارة هذا المعلم.
مرت الأيام والأشهر والسنين دون استثمار لأهمية المكان، ودون محاولة لتشجيع المزارعين وإمدادهم بمواد الزراعة للنهوض بالمنطقة والاستفادة منها اقتصادياً، وبدأت الكارثة تحدث تدريجياً، حين تم إيقاف فتح عبارات السد وجفت الأرض ومات النخيل وبارت المزارع فيه، إلى أن حدثت الطامة حيث تم تصريف مياه الصرف الصحي من منطقة عسير في وادي بيشة، وسيمتد أثره بعد ذلك إلى السد، وما حدث لا يتوافق مع أمن وحماية وصحة النفس البشرية، بالإضافة إلى كونه تدميرا للبيئة والطبيعة البكر. المادة الـ22 في نظام مياه الصرف الصحي التابع لوزارة المياه تنص على وجوب اتباع المواصفات الوطنية لحماية البيئة، وتمنع تصريف مياه الصرف الصحي المعالجة في المسطحات المائية مثل السدود. الحال الآن في وادي بيشة؛ لم يعد هناك واد أخضر، مع تجمع كبير لأنواع الحشرات والبعوض، لم يعد هناك نخيل، ولا محصولات زراعية، وإن وجد القليل يكون غذاء للمواشي والأغنام، لأنها زُرعت ونمت على مياه ملوثة، والسكان بدؤوا تدريجياً في هجرة المكان، كل هذا نتيجة لعشوائية التخطيط وسوء الإدارة والتنفيذ وإهمال المسؤولين.