قبل سنوات، وصل إلى إحدى أستاذاتي أنها مرشحة لتكون عضوا في مجلس الشورى، يومها طلبت نصيحتي، وكيف يجب أن تتصرف حتى تظهر إعلاميا، فيقوى الترشيح وينتهي بالوصول إلى تلك القاعة الذهبية والمقاعد الوثيرة والإضاءات الساطعة، وكاميرا الصحافة التي تعشق أخبارا مثل: قال عضو مجلس الشورى كذا.
لحظتها، وقفت متعجبة فسألتها: لماذا تريدين أن تصبحي عضوا في مجلس الشورى؟
فتطلعت نحوي بدهشة، وقالت: لماذا؟ ألا يليق بي ذلك.
في الحقيقة، إني معتادة على أن يفهمني الناس خطأً، لكن ليس إلى هذه الدرجة، فأمضيت وقتا طويلا أقنعها أن عملها أستاذا جامعيا يبحث ويقدم الحلول ويغيّر الشباب أبلغ عشرات المرات من عضوية مجلس الشورى، فالناس مختلفة على قدرته على إحداث الفرق.
على كل حال، الجيد في الموضوع أنها ما زالت تعلّم الطالبات في الجامعة، ولم تصبح عضوا في الشورى.
سمعت الجملة هذه أيضا قريبا من صديقة عزيزة، وهي أيضا أستاذ جامعي مميز جدا، بل تكاد تكون الأكثر ميزة في قسمها، ونشاطا وألمعية.
أعترف أنه يقلقني وجود عدد من الكفاءات التي تطمح إلى مناصب مثل هذه محدودة في قدرتها على التغيير، بينما هم فعلا يصنعون التغيير في أماكنهم التي يشغلونها الآن، مما يدفع إلى التساؤل: هل الهدف من احتلال منصب هو إحداث التغيير أم فقط الوجاهة والمكانة الاجتماعية؟
إذا كان الأمر الثاني أصبح ظاهرة، فنحن أمام قضية تستحق الالتفات، وتشير لا محالة إلى وجود خلل في بناء الفرد في مجتمعنا، ليس هو ما أشارت أو تطلعت إليه السنّة النبوية في تربيتها للمجتمع المسلم، من خلال إيجاد الفرد الذي لا يهمه أن يكون في مقدمة الجيش أو مؤخرته، إذا استطاع التغيير.
أيضا يبدو أن صناع التغيير مثل المعلمين وأساتذة الجامعات.. الخ، لا يلقون التقدير الذي يغنيهم عن البحث والاستماتة على تقدير المنصب والمكانة.
إن هذا خطر كبير سيتسبب في تسرب كبير، وبطالة مقنّعة لهؤلاء، ليس فقط لمؤسسة مثل الشورى، ولكن لشركات ومؤسسات أخرى، يصبحون فيها "مستشارا لا يستشار" ونُحرم نحن من قدراتهم.