يُعد محور الشباب من أحد أهم محاور السياسة السكانية المستهدفة في التنمية البشرية، باعتبار أن فئة الشباب يمكن أن تشكل دعامة قوية لتحقيق القفزات التنموية المرجوة، وذلك بدعم مشاركة الشباب في النهضة التنموية للمملكة وتطويرها، وتمكينهم من الإسهام في تنمية المجتمع، وتطوير قدراتهم الريادية والمعرفية والبدنية، ورفع كفاءاتهم؛ للإسهام الفاعل في التنمية؛ وقد خصصت خطة التنمية الخمسية "الثامنة" (2005) ما يتجاوز النصف من مخصصات الخطة المالية للتنمية البشرية، كما واصلت خطتا التنمية التاسعة والعاشرة (2010، 2015) هذا التوجه الاستراتيجي، من خلال تبني سياسات وبرامج فاعلة تصقل مهارات القوى العاملة الوطنية، وتحسن كفاءتها الإنتاجية، لتسهم بفاعلية في تعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد السعودي، وتهيئته للتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، والذي تم تأكيده لاحقا ضمن توجهات الرؤية 2030؛ وقد اهتمت الخطط كما تم تدوينه فيها، بدراسة أحوال الشباب ووضع السياسات الكفيلة بزيادة إقبالهم على الاستفادة من المرافق الرياضية والشبابية والثقافية، فضلا عن تحسين أحوالهم الصحية وتطوير المناهج التعليمية لتواكب حركة التقدم العلمي، مع دراسة واقع سوق العمل ومتطلباته من القوى العاملة؛ والعمل على زيادة إسهام القوى العاملة الوطنية في القطاعات التنموية، والاهتمام بتأهيلها وتدريبها لتحسين إنتاجيتها، والعمل على إتاحة المزيد من فرص العمل الملائمة والكافية لها للحد من ظاهرة البطالة بينهم؛ من خلال تطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي.

وتبعا لذلك فقد تضمنت السياسات أهمية الإسراع في اعتماد الاستراتيجية الوطنية للشباب وإجراء مسوحات دورية لاحتياجاتهم، وغرس قيم المواطنة والانتماء الوطني لدى الشباب وتنشئته على القيم والأخلاق الإسلامية، بما يحفزهم على التطوع والمشاركة في التنمية، ليتمكنوا من قيادة المجتمع مستقبلا، وبناء الأسرة والعمل المنتج، وتحفيز الممارسات الإيجابية لديهم في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية.

ومما تجدر الإشارة إليه في ذلك السياق، أن نسبة الشباب في المملكة تصل إلى (43.74%) من جملة السكان ذكورا وإناثا (مواطن+ غير مواطن)، وذلك للفئة العمرية من (15-39) سنة للعام 2015، في حين يمثل المواطنون من الشباب نسبة (27,93%) لتلك الفئة العمرية من جملة السكان، وذلك بناء على بيانات الهيئة العامة للإحصاء لنفس الفترة؛ هذا ويبلغ معدل البطالة لتلك الفئة العمرية ذاتها من الشباب (96.50%) من جملة معدل البطالة لجملة السكان ممن هم داخل قوة العمل للفئة العمرية (15-59) سنة، وهؤلاء من الذين لديهم الرغبة والقدرة على العمل ولا يجدون الفرصة لذلك؛ وتمثل الإناث الشابات من تلك النسبة (63.55%)، في حين يمثل الذكور الشباب (36.44%) من تلك النسبة، وكما يتضح أن تلك الفئة تمثل الفئة الشابة فعليا.

وتبعا لذلك فإن الإحصاءات تؤكد أنه لا يمكن تحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية المقصودة من التنمية البشرية؛ أو تنفيذ السياسات السكانية ذات الصلة بالشباب وغيرها دون التنسيق بين القطاعات المختلفة المعنية بالسكان والتنمية في جميع المجالات؛ ولكي يتم التنفيذ بصورة متسقة ينسجم بعضها مع بعض بما يتفق مع التوجهات العليا للدولة والرؤية الاستراتيجية؛ لا بد من وجود جهة عليا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، لتقوم بعملية الإشراف والمتابعة والتقويم الذي يُمكّنها من تصحيح المسار في حالة الابتعاد أو الانحراف عن الأهداف والغايات المستهدفة للسياسات السكانية الموضوعة ومنها الشباب، وبذلك يمكن جني الثمار وحصد المنجزات المأمولة من السياسات السكانية جميعها؛ وبما يخدم تطلعات الوطن والمواطنين في ظل قيادتنا الرشيدة؛ ورؤية 2030 الطموحة.

ولكي يتم تحقيق الأهداف المقصودة من السياسات السكانية المستهدفة للشباب؛ فإن ذلك يتطلب وضع إجراءات تنفيذية لتلك السياسات؛ يرتبط كل منها بالقطاع الذي ترتبط به مُؤسسيا والمناط إليه تنفيذ تلك السياسات؛ من خلال إجراءات وبرامج مدروسة ومناسبة للأهداف والسياسات المستهدفة، بحيث تعمل تلك الإجراءات والبرامج في منظومة متكاملة في كل قطاع لتنتهي بتحقيق الغايات المقصودة وتنفيذ السياسات الموضوعة؛ ويتم ذلك في إطار فترة زمنية محددة، يتخللها متابعة وتقييم لطبيعة الإنجاز ومستواه، هذا إلى جانب الوقوف على أوجه الإخفاق أو العقبات لمعالجتها أو الحد منها في أقل تقدير؛ وذلك يشمل قطاع التعليم والتدريب والصحة ووزارة الشباب ووزارة العمل والصناديق التابعة لها؛ ووزارة الصناعة ووزارة الزراعة ووزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها من القطاعات ذات الصلة بتحقيق تفاصيل الأهداف الموضوعة وتنفيذ السياسات السكانية المعنية بالشباب؛

وبذلك يمكن ترجمة رؤية الدولة الاستراتيجية وتطلعاتها المستهدفة في أولوياتها التنموية لمواردها البشرية ومسيرتها التنموية؛ وبما يتفق مع المرحلة الديموجرافية التي تعيشها المملكة والمتميزة بارتفاع نسبة الشباب فيها والذين تصل نسبتهم إلى (69,70%) من جملة السكان ممن هم في سن قوة العمل (15-59)، وتصل نسبة الشباب من المواطنين إلى (63,11%) من جملة السكان المواطنين، بينما تبلغ نسبتهم (39,89%) من جملة السكان للفئة العمرية (15-59)، وذلك تبعا لإحصاءات الهيئة العامة للإحصاء الوطني (2016).

 ومما يجدر ذكره أن ارتفاع نسبة الشباب في الدولة يعتبر فرصة اقتصادية ذهبية تعرف بــ"الفرصة السكانية" والتي قد لا تتكرر في مجتمع ما، إلا كل 30-40 سنة، ويطلق عليها "فرصة سكانية" بسبب مردودها الاقتصادي الكبير المتوقع على الدولة التي تحتضنهم، إذ إن ارتفاع نسبة الشباب يعني ارتفاعا في نسبة قوة العمل المتاحة، بما ينعكس على نمو اقتصادي وانتعاش ورخاء اجتماعي نتيجة لارتفاع معدل الادخار، وانخفاض نسبة الإعالة الاقتصادية بالمقابل، حيث تنخفض نسبة الفئة التي يستلزم إعالتها وهم السكان (دون 15 سنة، ومن 60 وأكثر)، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نجني ثمار ارتفاع نسبة الشباب الاقتصادية والاجتماعية، في حال تزامنها مع انحسار فرص العمل وما يترتب عليه من ارتفاع نسبة البطالة، خاصة في ظل ارتفاع نسبة العمالة الوافدة الشابة التي تنافس قوة العمل الوطنية الشابة، وتستحوذ على فرص العمل المتاحة، والتي يساهم فيها ويدعمها ذلك الخلل وضعف التنسيق ما بين الأهداف والغايات المقصودة من جهة، والسياسات والتنفيذ والإجراءات والتشريعات المنظمة والمنفذة في سوق العمل الوطني.

 ومما يجب التنويه له هو أن تلك "الفرصة السكانية" وكما تؤكد الدراسات والتجارب أنها سلاح ذو حدين، فإذا لم تستثمر تلك الطاقات الشابة ويتم احتواؤها ضمن نشاطات وبرامج تنموية بناءة وهادفة ومدروسة تنعكس إيجابا عليهم وعلى مجتمعاتهم، فإنها ستنعكس وبالا وسلبا على المجتمعات التي تحتضنها، من خلال تفريغ تلك الطاقات في الاتجاه المضاد والذي يمكن إيجازه بالانحرافات السلوكية والفكرية والنفسية المختلفة التي يعاني منها شبابنا اليوم.

إن الاهتمام بتلك الفئة من السكان (الشباب+ الشابات) يشمل العديد من المحاور المهمة، ويمثل توفير فرص العمل المختلفة الأساس الأهم، بالإضافة إلى توفير الأندية الرياضية والمراكز الاجتماعية والعلمية التي تهتم باستقطابهم واستثمار قدراتهم ومواهبهم وأفكارهم، بما يخدم التنمية ومتطلباتها المادية والبشرية.